صفحة رقم ٣٢٩
وكسر اللام التقدير : إصلاحاً، لكنه لما كان المأمور به يحصل بأقل ما يقع عليه اسم الصلح بنى المصدر على غير هذين الفعلين فقال مجرداً له :( صلحاً ( بأن تلين هي بترك بعض المهر أو بعض القسم أو نحو ذلك، وأن يلين لها هو بإحسان العشرة في مقابلة ذلك.
ولما كان التقدير : ولا حناح عليهما أن يتفارقا على وجه العدل، عطف عليه قوله :( والصلح ) أي بترك كل منهما حقه أو بعض حقه ) خير ) أي المفارقة التي أشارة إليها الجملة المطوية لأن الصلح مبناه الإحسان الكامل بالرضى من الجانبين، والمفارقة مبناها العدل الذي يلزمه في الأغلب غيظ أحدهما وإن كانت مشاركة للصلح في الخير، لكنها مفضولة، وتخصيصُ المفارة بالطي لأن مبنى السورة على المواصلة.
ولما كان منشأ التشاجر المانع من الصلح شكاسة في الطباع، صوَّر سبحانه وتعالى ذلك تنفيراً عنه، فقال اعتراضاً بين هذه الجمل للحث على الجود بانياً الفعل للمجهول إشارة إلى أن هذا المُحِضر لا يرضى أحد نسبته إليه :( وأحضرت الأنفس ) أي الناظرة إلى نفاستها عجباً ) الشح ) أي الحرص وسوء الخلق وقلة الخير والنكد والبخل بالموجود، وكله يرجع إلى سوء الخلق والطبع الرديء واعوجاج الفطرة الأولى الذي كني عنه بالإحضار الملازم الذي لا انفكاك له إلا بجهاد كبير يناله به الأجر الكثير ولما كان هذا خلقاً رديئاً لم يذكر فاعله، والمعنى : أحضهرا إياه مُحضر.
فصار ملازماً لها، لا تنفك عنه إلا بتوفيق من الله سبحانه وتعالى في قهرها عليه بتذكير ما عنده سبحانه وتعالى من حسن الجزاء، ولما كان التقدير : فإن شححتم فإنه أعلم بها في الشح من موجبات الذم، عطف عليه قوله :( وإن تحسنوا ) أي توقعوا الإحسان بالإقامة على نكاحكم وما ندبتم إليه من حسن العشرة وإن كنتم كارهين ) وتتقوا ) أي توقعوا التقوى بمجانبة كل ما يؤذي نوع أذى إشارة إلى أن تلشحيح لا محسن ولا متق ) فإن الله ) أي وهو الجامع لصفات الكمال ) كان ( أزلاً وأبداً ) بما تعملون ) أي في كل شح وإحسان ) خبيراً ) أي بالغ العلم به وأنتم تعلمون أنه أكرم الأكرمين، فهو مجازيكم عليه أحسن جزاء.
ولما ذكر سبحانه وتعالى أن الوقوف على الحق فضلاً عن الإحسان - وإن كانت المراة واحدة - متعسر، أتبعه أن ذلك عند الجمع أعسر، فقال تعالى معبراً بأداة التأكيد :( ولن تستطيعوا ) أي توجدوا من أنفسكم طواعية بالغة دائمة ) أن تعدلوا ) أي من غير حيف أصلاً ) بين النساء ( في جميع ما يجب لكل واحدة منهن عليكم من الحقوق ) ولو حرصتم ) أي على فعل ذلك، وهذا مع قوله تعالى :
٧٧ ( ) فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ( ) ٧
[ النساء : ٣ ] كالمختم للاختصار على واحدة.