صفحة رقم ٣٣١
ولما ذكر تعالى آية التفرق وختمها بصفتي السعة والحكمة دل على الأول ترغيباً في سؤاله :( ولله ) أي الذي له العظمة كلها ) ما في السموات ( ولما كان في السياق بيان ضعف النفوس وجبلها على النقائص، فكانت محتاجة إلى تقوية الكلام المخرج لها عما ألفت من الباطل قال :( وما في الأرض ( وعلى الثانية بالوصية بالتقوى لأنه كرر الحث على التقوى في هذه الجمل في سياق الشرط بقوله :
٧٧ ( ) وإن تحسنوا وتتقوا ( ) ٧
[ النساء : ١٢٨ ]
٧٧ ( ) وإن تصلحو وتتقوا ( ) ٧
[ النساء : ١٢٨ ] فأخبر تعالى بعد اللطف بذلك السياق أن وصيته بها مؤكدة، لم تزل قديماً وحديثاً، لأ، العلم بالمشاركة في الأمر يكون أدعى للقبول، وأهون على النفس، فقال تعالى :( ولقد وصينا ) أي على ما لنا من العظمة.
ولما كان الاشتراك في الأحكام موجباً للرغبة فيها والتخفيف لثقلها، وكانت الوصية للعالم أجدر بالقبول قال :( الذين أوتوا الكتاب ) أي التوراة والإنجيل وغيرها وبنى الفعل للمجهول لأن القصد بيان كونهم أهل علم ليرغب فيما أوصوا به، ودلالة على أن العلم في نفسه مهيىء للقبول، ولإفادة أن وصيتهم أعم من أن تكون في الكتاب، أو على لسان الرسول من غير كتاب، ولما كان إيتاؤهم الكتاب غير مستغرق للماضي وكذا الإيصاء قال :( من قبلكم ) أي من بني إسرائيل وغيرهم ) وإياكم ) أي ووصيانكم مثل ما وصيناهم ؛ ولما كانت التوصية بمعنى القول فسرها بقوله :( أن اتقوا الله ) أي الذي لا يطاق انتقامه لأنه لا كفوء له.
ولما كان التقدير : فإن تتقوا فهو حظكم وسعادتكم في الدارين، عطف عليه قوله :( وأن تكفروا ) أي بترك التقوى ) فإن الله ) أي الذي له الكمال المطلق ) ما في السموات ( ولما كان السياق لفرض الكفر حسن التأكيد في قوله :( وما في الأرض ( منكم ومن غيركم من حيوان وجماد أجساداً وأروحاً وأحوالاً.
ولما كان المعنى : لا يخرج شيء عن ملكه ولا إرادته، ولا يلحقه ضرر بكفركم، ولم تضروا إن فعلتم إلا أنفسكم، لأنه غني عنكم، لا يزداد جلاله بالطاعات، ولا ينقص بالمعاصي والسيئات ؛ أكده بقوله دالاً على غناه واستحقاقه للمحامد :( وكان الله ) أي الذي له الإحاطة كلها ) غنياً ) أي عن كل شيء الغنى المطلق لذاته ) حميداً ) أي محموداً بكل لسان قالي وحالي، كفرتم أو شكرتم، فكان ذلك غاية في بيان حكمته.
ولما كان الملك قد لا يمنع الاعتراض على المالك بين أن ذلك إنما هو في الملك الناقص وأنه ملكه تام :( ولله ) أي الذي له العلم الكامل والقدرة الشاملة ) ما في


الصفحة التالية
Icon