صفحة رقم ٣٣٢
السموات ( وأكد لمثل ما مضى فقال :( وما في الأرض ) أي هو قائم بمصالح ذلك كله، يستقل بجميع أمره، لا معترض عليه، بل هما وكل من فيهما مظهر العجز عن أمره، معلق مقاليد نفسه وأحواله إليه طوعاً أو كرهاً، فهو وكيل على كل ذلك فاعل به ما يفعل الوكيل من الأخذ والقبض والبسط، ولمثل ذلك كرر الاسم الأعظم فقال :( وكفى بالله ) أي الذي له الأمر كله ولا أمر لأحد معه ) وكيلاً ) أي قائماً بالمصالح قاهراً متفرداً بجميع الأمور، قادراً على جميع المقدور، وقد بان - كما ترى - أن جملة ( لله ) المكررة ثلاث مرات ذكرت كل مرة دليلاً على شيء غير الذي قبلاه وكررت، لأن الدليل الواحد إذا كان دالاً على مدلولات كثيرة يحسن أن يستدل به على كل واحد منها.
وإعادته مع كل واحد أولى من الاكتفاء بذكره مرة واحدة، لأن عند إعادته يحضر في الذهن ما يوجب العلم بالمدلول، فيكون العلم الحاصل بذلك المدلول أقوى وأجل ؛ وفي ختم كل جملة بصفة من الصفات الحسنى تنبيه الذهن بها إلى أن هذا الدليل دال على أسرار شريفة ومطالب جليلة لا تنحصر، فيجتهد السامع في التفكر لإظهار الأسرار والأفهام عن الاشتغال بغير الله تعالى إلى الاستغراق في معرفته سبحانه، وهذا التكرير مما يفيد حصول هذا المطلوب ويؤكده، فكان في غاية الحسن والكمال.
ولما تقرر بهذا شمول علم من هذا من شأنه وتمام قدرته أنتج قوله مهدداً مخوفاً مرهباً :( إن يشأ يذهبكم ( وصرح بالعموم إشارة إلى عموم الإرسال بقوله :( أيها الناس ) أي المتفرغون من تلك النفس الوحدة كافة لغناه عنكم وقدرته على ما يريد منكم ) ويأت بآخرين ) أي من غيركم يوالونه ) وكان الله ) أي الواحد الذي لا شريك له أزلاً وأبداً ) على ذلك ) أي الأمر العظيم من الإيجاد والإعدام ) قديراً ) أي بالغ القدرة، وهذا غاية البيان لغناه وكونه حميداً وقاهراً وشديداً، وإذا تأملت ختام قوله تعالى في قصة عيسى عليه الصلاة والسلام في آخر هذه السورة
٧٧ ( ) سبحانه أن يكون له ولد ( ) ٧
[ النساء : ١٧١ ] زاد ذلك هذا السر - وهو كونه لا اعتراض عليه - وضوحاً.
ولما كان في هذا تهديد بليغ وتعريف بسعة الملك وكمال التصرف، وكان مدار أحوال المتشاححين في الإرث وحقوق الأزواج وغيرها الأمرَ الدنيوي، وكان سبحانه وتعالى قد بين فيما مضى أن مبنى أحوال المنافقين على طلب العرض الفاني خصوصاً قصة طعمة بن أبيرق الراضي لنفسه بالفضيحة في نيل شيء تافه ؛ قال تعالى تفييلاً لآرائهم وتخسيساً لهممهم حيث نزلوا إلى الأدنى مع القوة على طلب الأعلى مع طلب الأدنى أيضاً منه تعالى، فلا يفوتهم شيء من معوّلهم مع إحراز الأنفس :( ما كان يريد