صفحة رقم ٣٣٣
ثواب الدنيا ( لقصور نظره على المحسوس الحاضر مع خسته كالبهائم ) فعند ) أي فليقبل إلى الله فإنه عند ) الله ) أي الذي له الكمال المطلق ) ثواب الدنيا ( الخسيسة الفانية ) الآخرة ) أي النفسية الباقية فليطلبها منه، فإنه يعطي من أراد ما شاء، ومن علت همته عن ذلك فأقبل بقلبه إليه وقصر همه عليه فلم يطلب إلا الباقي جمع سبحانه وتعالى له بينهما، كمنا يجاهد الله خالصاً، فإنه يجمع له بين الأجر والمغنم، وما أشد التئامها مع ذلك بما قبلها، لأن من كان تام القدرة واسع الملك كان كذلك.
ولما كان الناشيء عن الإرادة إما قولاً أو فعلاً، وكان الفعل قد يكون قلبياً قال :( وكان الله ) أي المختص بجميع صفات الكمال ) سميعاً ) أي بالغ السمع لكل قول وإن خفي، نفسياً كان أو لسانياً ) بصيراً ) أي بالغ البصر لكل ما يمكن أن يبصر من الأفعال، والعلم بكل ما يبصر وما لا يبصر منها ومن غيرهان فيكون من البصر ومن البصيرة، فليراقبه العبد قولاً وفعلاً.
النساء :( ١٣٥ - ١٣٦ ) يا أيها الذين.....
) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَآءِ للَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنَزلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً ( ( )
ولما كان ذلك من أحسن المواعظ لقوم طعمة الذين اعتصبوا له، التفت إليهم مستعطفاً بصيغة الإيمان، جائياً بصيغة الأمر على وجه يعم غيرهم، قائلاً ما هو كالنتيجة لام مضى من الأمر بالقسط من أول السورة إلى هنا على وجه أكده وحث عليه :( ياأيها الذين آمنوا ) أي أقروا بالإيمان بألسنتهم ) وكونوا قوَّامين ) أي قائمين قياماً بليغاً مواظباً عليه مجتهداً فيه.
ولما كان أعظم مباني هذه السورة العدل قدمه فقال :( بالقسط ( بخلاف ما يأتي في المائدة فإن النظر فيها إلى الوفاء الذي إنما يكون بالنظر إلى الموفي له ) شهداء ) أي حاضرين متيقظين حضور المحاسب لكل شيء أردتم الدخول فيه ) لله ) أي لوجه الذي كل شيء بيده لا لشيء غيره ) ولو ( طان ذلك القسط ) على أنفسكم ) أي فإني لا أزيدكم بذلك إلا عزاء، وإلا تفعلوا ذلك قهرتكم على الشهادة على أنفسكم على رؤوس الأشهاد، فضحتم في يوم يجتمع فيه الأولون والآخرون من جميع العباد.
ولما كان ذكر أعز ما عند الإنسان أتبعه ما يليه وبدأ منه بمن جمع إلى ذلك