صفحة رقم ٣٣٧
ولما كان السماع مجملاً بين المراد بقول :( يكفر بها ) أي يستر ما أظهرت من الأدلة من أي كافر كان من اليهود وغيرهم ) ويستهزأ بها ) أي يطلب طلباً شديداً أن تكون مما يهزأ به ) فلا تقعدوا معهم ) أي الذين يفعلون ذلك بها ) حتى يخوضوا ( وعبر عن الشروع بالخوض إيماء إلى أن كلامهم لا يخلو عن شيء في غير موضعه، رمزاً إلى عدم مجالستهم على كل حال ) في حديث غيره ( فهذا نهي من مجرد مجالستهم فكيف بولايتهم.
ولما كانت آية الأنعام مكية اقتصر فيها على مجرد الإعراض وقطع المجالسة لعدم التمكن من الإنكار بغير القلب، وأما هذه الآية فمدنية فالتغيير عند إنزالها باللسان واليد ممكن لكل مسلم، فالمجالس من غير نكير راض، فلهذا علل بقوله :( إنكم إذاً ) أي إذا قعدتم معهم وهم يفعلون ذلك ) مثلهم ) أي في الكفر لأن مجالسة المظهر للإيماء المصرح بالكفران دالة على أن إظهاره لما أظهر نفاق، وأنه راض بما يصرح به هذا الكافر والرضى بالكفر كفر، فاشتد حسن ختم الآية بجمع الفريقين في جهنم بقوله مستأنفاً لجواب السؤال عما تكون به المماثلة :( إن الله ) أي الذي أحاط علمه فتمت قدرته ) جامع ( ولما كان حال الأخفى أهم قدم قوله :( المنافقين ) أي الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر فيقعدون مع من يسمعونه بكفر ) والكافرين ) أي الذين يجاهرون بكفرهم لرسوخهم فيه ) في جهنم ( التي هي سجن الملك ) جميعاً ( كما جمعهم معهم مجلس الكفر الذي هو طعن في ملك الملك، والتسوية بينهم في الكفر بالقعود معهم دالة على التسوية بين العاصية ومجالسه بالخلطة من غير إنكار ؛ ثم وصفهم سبحانه وتعالى بما يعرف بهم فقال :( الذين يتربصون بكم ) أي يثبتون على حالهم انتظاراً لوقوع ما يغيظكم ) فإن كان لكم فتح ) أي ظهور وعز وظفر، وقال :( من الله ) أي الذي له العظمة كلها - تذكيراً للمؤمنين بما يديم اعتمادهم عليه وافتقارهم إليه ) قالوا ) أي الذين آمنوا نفاقاً لكم أيها المؤمنون ) ألم نكن معكم ) أي ظاهراً بأبداننا بما تسمعون من أقوالنا فأشركونا في فتحكم ) وإن كان للكافرين ) أي المجاهرين، وقال :( نصيب ( تحقيراً لظفرهم وأنه لا يضر بما حصل للمؤمنين من الفتح ) قالوا ( للكافرين ليشركوهم في نصيبهم ) ألم نستحوذ عليكم ) أي نطلب حياطتكم والمحافظة على مودتكم حتى غلبنا على جميع أسراركم واستولينا عليها، وخالطناكم مخالطة الدم للبدن، من قولهم : حاذه، أي حاطه وحافظ عليه ) ونمنعكم من المؤمنين ) أي من تسلطهم عليكم بما كنا