صفحة رقم ٣٣٩
ليسوا قادرين على خدعه بوجه ) وإذا ) أي يخادعونه والحال أنهم قد فضحوا أنفسهم بما أظهر مكرهم للمستبصرين وهو أنهم إذا ) قاموا إلى الصلاة ) أي المكتوبة ) قاموا كسالى ( متقاعسين متثاقلين عادة، لا ينفكون عنها، بحيث يعرف ذلك منهم كل من تأملهم، لأنهم يرون أناه تعب من غير أرب، فالداعي إلى تركها - وهو الراحة - أقوى م الداعي إلى فعلها وهو خوف الناس ؛ ثم استأن في جواب من كأنه قال : ما لهم يفعلون ذلك ؟ فقال :( يرآءون الناس ) أي يفعلون ذلك ليراهم الناس، ليس إلا ليظنوهم مؤمنين، ويريهم الناس لأجل ذلك ما يسرهم من عدهم في عداد المؤمنين لما يرون هم المؤمنين حين يصلون ) ولا يذكرون الله ) أي الذي له جميع صفات الكمال في الصلاة وغيرها ) إلا قليلاً ) أي حيث يتعين ذلك طريقاً لمخادعتهم، يفعلون ذلك حال كونهم ) مذبذبين ) أي مضطربين كما يضطرب الشيء الخفيف المعلق في الهواء، وحقيقة : الذي يذب عن كلا الجانبين ذباً عظيماً.
ولما كان ما تقدم يدل على إيمانهم تارة وكفرهم أخرى قال :( بين ذلك ) أي الإيمان والكفر ؛ ولما كان الإيمان بدل على أهله والكفر كذلك قال :( لا إلى ) أي لا يجدون سبيلاً مفر إلى ) هؤلاء ) أي المؤمنين ) ولا إلى هؤلاء ) أي الكافرين ؛ ولما كان التقدير لأن الله أضلهم، بنى عليه قوله :( ومن يضلل الله ) أي الشامل القدرة الكامل العلم ) فلن تجد ) أي أصلاً ) له سبيلاً ) أي طريقا إلى شيء يريده.
ولما انقضى ما أراد من الإنكار على من ادعى الإيمان في اتخاذ الكافرين أولياء، المستلزم للنهي عن ذلك الاتخاذ، صرح به مخاطباً للمؤمنين فقال :( ياأيها الذين ءامنوا ) أي أقروا بالإيمان بأسلنتهم صدقاً أو كذباً ) لا تتخذوا ) أي تكلفوا أنفسكم غير ما تدعوا إليه الفطرة الأولى السليمة فتأخذوا ) الكافرين ) أي المجاهرين بالكفر الغريقين فيه ) أولياء ) أي أقرباء، تفعلون معهم من الود والنصرة ما يفعل القريب مع قريبه.
ولما كان الغريق في الإيمان أعلى الناس، وكان تحت رتبته رتب متكاثره، نبه على ذلك وعلى دناءة مقصدهم بالجار فقال :( من دون المؤمنين ) أي الغريقين في الإيمان، وهذا إشارة إلى أنه لا يصح لمن يواليهم دعوى الإيمان، ولذلك قال منكراً :( أتريدون ) أي بموالاتهم ) أن تجعلوا لله ) أي الذي لا تطاق سطوته لأن له الكمال كله ) عليكم ) أي في النسبة إلى النفاق ) سلطاناً ) أي دليلاً اضحاً على كفركم باتباعكم غير سبيل المؤمنين ) ميبناً ( واضحاً مسوِّغاً لعقابكم وخزيكم وجعلكم في زمرة المنافقين.


الصفحة التالية
Icon