صفحة رقم ٣٤٢
فيصير في عداد الجهر ) بالسوء ) أي الذي يسوء ويؤذي ) من القول ) أي لأحد كائناً من كان، فإن ذلك ليس من شكر اله من لا يشكر الناس ) إلا من ) أي جهر من ) ظلم ) أي كان من أحد من الناس ظلم إليه كائناً من كان فإنه يجوز له الجهر بشكواه والتظلم منه والدعاء عليه وإن ساءه ذلك بحيث لا يعتدي.
ولما كان القول مما يسمع، وكان من الظلم ما قد يخفي، قال مرغباً مرهباً :( وكان الله ) أي الذي له الإحاطة الكاملة ) سمعياً ) أي لكل ما يمكن سماعه من جهر وغيره ) عليماً ) أي بكل ما يمكن أن يعلم فاحذروه لسلا يفعل بكم فعل الساخط، وجهر ومن ظلم - وإن كان داخلاً فيما يحبه الله تعالى على تقدير كون الاستثناء متصلاً - لكن جعله من جملة السوء وإن كان من باب المشاكلة فإن فيه لطيفة، وهي نهي الفطن عن تعاطيه وحثه على العفو، لأن من علم أن فعله بحيث ينطلق اسم السوء - على أي وجه كان إطلاقه - كف عنه إن كان موفقاً.
ولما كانت معاقد الخيرات على كثرتها منحصرة في قسمين : إيصال النفع إبداء وإخفاء، ودفع الضرر، فكان قد أشار سبحانه وتعالى إلى العفو، وختم بصفتي السمع والعلم ؛ قال مصرحاً بالندب إلى العفو والإحسان، فكان نادباً إليه مرتين : الأولى بطريق الإشارة لأولى البصارة، والثانية بطريق العبارة للراغبين في التجارة، حثاً على الأحب إليه سبحانه والأفضل عنده والأدخل في باب الكرم :( إن تبدوا خيراً ) أي من قول أو غيره ) أو تخفوه ) أي تفعلوه خفية ابتداء أو في مقابلة سوء فعل إليكم ؛ ولما ذكر فعل الخير أتبعه نوعاً منه هو أفضله فقال :( أو تعفوا عن سوء ) أي فعل بكم.
ولما كان التقدير : يعلمه بما له من صفتي السمع والعلم فيجازي عليه بخير أفضل منه وعفو أعظم من عفوكم ؛ سبب عنه قوله :( فإن ) أي فأنتم جديرون بالعفو بسبب علمكم بأن ) الله كان ) أي دائماً أزلاً وأبداً ) عفواً ( ولما كان ترك العقاب لا يسمى عفواً إلا إذا كان من قادر وكان الكف - عند القدرة عن الانتقام، ممن أثر في القلوب الآثار العظام - بعيداً، شاقاً على النفس شديداً ؛ قال تعالى مذكراً للعباد بذنوبهم إليه وقدرته عليهم :( قديراً ) أي بالغ العفو عن كل ما يريد العفو عنه من أفعال الجانبين والقدرة على كل ما يريد ومن يريد، فالذي لا ينفك عن ذنب وعجز أولى بالعفو طمعاً في عفو القادر عنه وخوفاً منانتقامه منه وتخلقاً بخلقه العظيم والاقتداء بسنته.
ولما انقضى ذلك على أتم وجه وأحسن سياق ونحو، وختم بصفتي العفو والقدرة ؛ شرع في بيان أحوال من لا يعفى عنه من أهل الكتاب، وبيان أنهم هم الذين