صفحة رقم ٤٠٤
الأكبر أتبعه الأصغر فقال ) أو جاء أحد منكم ( وهو غير جنب ) من الغائط ) أي الموضع المطمئن من الأرض وهو أي مكان التخلي، أي قضيتم حاجة الإنسان التي لا بد له منها، وينزه الكتاب عن التصريح بها لأنها من النقائص المذكِّرة له بشديد عجزه وعظيم ضرورته وفقره ليكف من إعجابه وكبره وترفعه وفجره.
كما ورد أن بعض الأمراء لقي بعض البله في طريق فلم يفسح، فغضب وقال : كأنك ما تعرفني ؟ فقال بلى والله إني لأعرفك، أولك نطفة مذرة وآخرك جيفة قذرة، وأنت فيما بين ذلك تحمل العذرة.
ولما ذكر ما يخص الأصغر ذكر ما يعم الأكبر فقال :( أو لمستم النساء ) أي بالذكر أو غيره أمنيتم أولا ) فلم تجدوا ماء ) أي حساً أو معنى بالعجز عن استعماله للمرض بجرح أو غيره ) فتيمموا ) أي اقصدوا قصداً متعمداً ) صعيداً ) أي تراباً ) طيباً ) أي طهوراً خالصاً ) فامسحوا ( ولما كان التراب لكثافته لا يصل إلى ما يصل إليه الماء بلطافته، قصَّر الفعل وعدَّاه بالحرف إشارة إلى الاكتفاء بمرة والعفو عن المبالغة، وبينت السنة أن المراد جميع العضو، فقال :( بوجوهكم وأيديكم منه ) أي حال النية التي هي القصد الذي هو التيمم، ثم أشار لهم إلى حكمته سبحانه في هذه الرخصة فقال مستأنفاً :( ما يريد الله ) أي الغنى الغنى المطلق ) ليجعل عليكم ( وأغرق في النفي بقوله :( من حرج ) أي ضيق علماً منه بضعفكم، فسهل عليكم ما كان عسرة على من كان قبلكم، وإكراماً لكم لأجل نبيكم ( ﷺ )، فلم يأمركم إلا بما يسهل عليكم ليقل عاصيكم ) ولكن يريد ليطهركم ) أي ظاهراً وباطناً بالماء والتراب وامتثال الأمر على ما شرعه سبحانه، عقلتم معناه أو لا، مع تسهيل الأوامر والنواهي لكيلا يوقعكم التشديد في المعصية التي هي رجس الباطن ) وليتم نعمته ) أي في التخفيف في العزائم ثم في الرخص، وفي وعدكم بالأجور على ما شرع لكم من الأفعال ) عليكم ( لأجل تسهيلها، ليكون فعلكم لها واستحقاقكم لما رتب عليها من الأجر مقطوعاً به، إلا لمن لج طبعه في العوج، وتمادى في الغواية والجهل والبطر ) لعلكم تشكرون ) أي وفعل ذلك كله.
هذا التسهيل وغيره ليكون حالكم لما سهل عليكم حال من يرجى صرفه لنعم ربه عليه في طاعته المسهلة له المحببة إليه، روى البخاري في التفسير وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت :


الصفحة التالية
Icon