صفحة رقم ٤١١
تقدم من أمر العقة وأمر بني النضير في نقضهم عهدهم وغدرهم، بما هموا به من قتل النبي ( ﷺ ) بإلقاء الرحى عليه من سطح البيت الذي أجلسوه إلى جانبه، بقوله إشارة إلى أن اليهود ما زالوا على النقض قديماً، تحذيراً للمؤمنين من أن يكونوا مثلهم في النقض لئلا يحل بهم ما حل بهم من الصغار، وإعلاماً بأن عادته سبحانه في الإلزام بالتكاليف قديمة غير مخصوصة بهم، بل هي عامة لعباده وقد كلف أهل الكتاب، تشريفاً لهم بمثل ما كلفهم به، ورغبهم ورهبهم ليسابقوهم في الطاعة، فإن الأمر إذا عم هان، والإنسان إذا سابق اجتهد في أخذ الرهان، وأكد الخبر بذلك لئلا يظن لشدة انهماكهم في النفس أنه لم يسبق لهم عهد قبل ذلك فقال تعالى :( ولقد أخذ الله ) أي بما له من جميع الجلال والعظمة والكمال ) ميثاق بني إسرائيل ) أي العهد الموثق بما أخذ عليكم من السمع والطاعة ) وبعثنا ) أي بما لنا من العظمة ) منهم اثني عشر نقيباً ) أي شاهداً، على كل سبط نقيب يكفلهم بالوفاء بما عليهم من الوفاء به - كما بعثنا منكم ليلة العقبة اثني عشر نقيباً وأخذنا منكم الميثاق على ما أحاله الإسلام - كما قال كعب بن مالك رضي الله عنه في تخلفه عن تبوك :( ولقد شهدت مع رسول الله ( ﷺ ) ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام ) وأما تفصيله فمذكور في السير، والنقيب : الذي ينقب عن أحوال القوم كما قيل : عريف، لأنه يتعرفها، ومن ذلك المناقب وهي الفضائل، لأنها لا تظهر إلا بالتنقيب عنها ) وقال الله ) أي المحيط بكل شيء قدرة وعلماً لبني إسرائيل، وأكد لتكرر جزعهم وتقلبهم فقال :( إني معكم ( وهو كناية عن الكفاية لأن القادر إذا كان مع أحد كان كذلك إذا لم يغضبه.
ولما أنهى الترغيب بالمعية استأنف بيان شرط ذلك بقوله مؤكداً لمثل ما مضى :( لئن اقمتم ) أي أنشأتم ) الصلاة ) أي التي هي صلة ما بين العبد والخالق بجميع شروطها وأركانها ؛ ولما كان المقصود من الإنفاق المؤاساة بالإيتاء قال :( وآتيتم الزكاة ) أي التي هي بين الحق والخلائق.
ولما كان الخطاب مع من آمن بموسى عليه الصلاة والسلام، وكانوا في كل قليل يتردعون عن اتباعه أو كمال اتباعه، وكان سبحانه عالماً بأن ميلهم بعده يكون أكثر، فرتب في الأزل أنه تواتر إليهم بعده الرسل يحفظونهم عن الزيغ ويقومون منهم الميل قال :( وآمنتم برسلي ) أي أدمتم الإيمان بموسى عليه السلام، وجددتم الإيمان بمن يأتي


الصفحة التالية
Icon