صفحة رقم ٤٤٥
شرحُ قصة ابني آدم من التوراة، قال المترجم في أولها بعد قصة أكل آدم عليه السلام من الشجرة ما نصه : فدعا آدم اسم امرأته حواء من أجل أنها كانت أم كل حيّ، وصنع الرب لآدم وامرأته سرابيل من الجلود وألبسهما، فأرسله الله من جنة عدن ليحرث الأرض التي منها أخذ، فأخرجه الله ربنا، فجامع آدم امرأته حواء فحبلت وولدت قايين وقالت : لقد استفدت لله رجلاً، وعادت فولدت أخاه هابيل، فكان هابيل راعي غنم، وكان قايين يحرث الأرض، فلما كان بعد أيام جاء قايين من ثمر أرضه بقربان لله، وجاء هابيل أيضاً من أبكار غنمه بقربان، فسر الله بهابيل وقربانه ولم يسر بقايين وقربانه، فساء ذلك قايين جداً وهمَّ أن يسوءه وعبس وجهه، فقال الرب لقايين : ما ساءك ؟ ولِمَ كسف وجهك ؟ إن أحسنت تقبلت منك، وإن لم تحسن فإن الخطيئة رابضة على الباب وأنت تقبل إليها وهي تتسلط عليك، فقال قايين لهابيل أخيه : تتمشى بنا في البقعة، فبينما هما يتمشيان في الحرث وثب قايين على أخيه هابيل فقتله، فقال الله لقايين : أين هابيل أخوك ؟ لفقال : لا أدري، أرقيب أنا على أخي ؟ قال الله : ماذا فعلت فإن دم أخيك ينادي لي من الأرض، من الآن ملعون أنت نم الأرض التي فتحت فاها فقبلت دم أخيك من يدك، فإذا أنت عملت في الأرض فإنها لا عود تعطيك حراثها، وتكون فزعاً تائهاً في الأرض، فقال قايين للرب : عظمت خطيئتي من أن تغفرها، وقد أخرجتني اليوم عن وجه الأرض، وأتوارى من قدامك وأكون فزعاً تائها في الأرض، وكل من وجدني يقتلني، فقال الله ربنا : كلا ولكن كذلك كل قاتل، وأما قايين فإنه يجزى بدل الواحد سبعة، فخرج قايين من قدام الله فجلس في الأرض نود شرقي عدن - انتهى. قال البغوي عن ابن إسحاق عن بعض أهل العلم بالكتاب الأول : إن آدم كان يغشى حواء في الجنة قبل أن يصيب الخطيئة فحملت فهيا بقابيل وتوأمته - فذكر قصته في النكاح وقتله لأخيه وشرب الأرض لدمه قولو قابيل لله - حين قال له : إنه قتله : إن كنت قتلته فأين دمه ؟ فحرم الله على الأرض يومئذ أن تشرب دماً بعده أبداً - انتهى.
ولما أخبر الله تعالى بأن أحدهما فعل معه من عدم القبول ما غاظه، كان كأنه قيل : فما فعل حين غضب ؟ فقيل :( قال ) أي لأخيه الذي قبل قربانه حسداً له ) لأقتلنك ( فكأنه قيل : بما أجابه ؟ فقيل : نبهه أولاً على ما يصل به إلى رتبته ليزول حسده بأن ) قال إنما يتقبل الله ) أي يقبل عظيماً المحيط لكل شيء قدرة وعلماً الملك الذي له الكمال كله، فليس هو محتاجاً إلى شيء، وكل شيء محتاج إليه ) من المتقين ) أي العريقين في وصف التقوى، فلا معصية لهم يصرون عليها بشرك ولا غيره، فعدمُ تقبل قربانك من نفسك لا مني، فلم تقتلني ؟ فقتلك لي مبعد لك عما حسدتني عليه.