صفحة رقم ٤٤٨
ولما كانت السوءة واجبة الستر، وكان الميت يصير بعد موته كله كله سوءة، قال منبهاً على ذلك وعلى أنها السبب في الدفن بالقصد الأول :( سوءة ) أي فضيحة ) أخيه ) أي أخي قابيل وهو هابيل المقتول، وصيغة المفاعلة تفيد أن الجثة تريد أن يكو القاتل وراءها، والقاتل يريد كون الجثة وراءه، فيكونان بحيث لا يرى واحد منهما الآخر، ولعل بعث الغراب إشارة إلى غربة القاتل باستيحاش الناس منه وجعله ما ينفر عنه ويقتله كل من يقدر عليه، ومن ثَمَّ سمى الغراب البين، وتشاءم به من يراه.
ولما كان كأنه قيل : إن هذا لعجب، فما قال ؟ قيل :( قال ( الكلمة التي تستعمل عند الداهية العظيمة لما نبهه ذلك، متعجباً متحيراً متلهفاً عالماً أن الغراب أعلم منه وأشفق، منكراً على نفسه ) ياويلتي ) أي احضُرْني يا ويل هذا أوانك أن لا يكون لي نديم غيرك ؛ ولما تفجع غاية الفجيعة وتأسف كل الأسف، أنكر على نفسه فقال :( أعجزت ) أي مع ما جعل لي من القوة القاطعة ) أن أكون ( مع ما لي من الجوارح الصالحة لأعظم من ذلك ) مثل هذا الغراب ( وقوله مسبباً عن ذلك :( فأوراي سوءة ) أي عورة وفضيحة ) أخي ( نصِبَ عطفاً على أكون لا على جواب الاستفهام، لأنه إنكاري فمعناه النفي، لأنه لم تكن وقعت منه مواراة لينكر على نفسه ويوبخها بسببها، ولو كانت وقعت لم يصح إنكارها على تقدير عدم العجز الذي أفادته الهمزة ) فأصبح ( بسبب قتله ) من النادمين ) أي على ما فعل، لأنه فقد أخاه وأغضب ربه وأباه، ولم يفده ذلك ما كان سبب غيظه، بل زاده بعداً، وذكر أن آدم عليه السلام لما علم قتله رثاه بشعر، وعن ابن عباس رضي الله عنهما ردُّ ذلك، وأن الأنيباء عليهم السلام كلهم في النهي عن الشعر سواء، وقال صاحب الكشاف : وقد صح أن الأنبياء معصومون من الشعر، ( ولا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم هذا كفل من دمها بمن سن ) رواه مسلم وغيره عن عبد الله، وكذا ( كل من سن سنة سيئة ) ولهذا قال عليه السلام ( إن


الصفحة التالية
Icon