صفحة رقم ٤٤٩
أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون )، وهذا لأن الآدمي لنقصانه أسرع شيء إلى الاقتداء في النقائص، وهذا ما لم يتب الفاعل، فإذا تاب أو كان غير متعمد للفعل كآدم عليه السلام لم يكن ساناً لذلك فلا شيء عليه ممن عمل بذلك.
ولما علم بهذا أن الإنسان موضع العجلة الإقدام على الموبقات من غير تأمل، فكان أحوج شيء إلى نصب الزواجر، أتبعه تعالى قوله :( من أجل ذلك ) أي من غاية الأمر الفاحش جداً ومدته وعظم الأمر وشدة قبحه في نفسه وعند الله وصغره عند القاتل وحبسه ومنعه وجنايته وإثارته وتهييجه وجرأة الإنسان على العظائم بغير تأمل ) كتبنا ) أي بما لنا من العظمة ليفيد ذلك عظمة المكتوب والتنبيه على ما فيه من العجز ليفيد الانزجار ) على بني إسرائيل ) أي أعلمناهم بما لنا من العناية بهم في التوراة التي كتبناها لهم، ويفهم ذلك أيضاً أنهم أشد الناس جرأة على القتل، ولذلك كانوا يقتلون الأنيباء، فأعلمهم الله بما فيهم من التشديد، ولِمَا علم من الأدميين - لا سيما هم - من الجرأة عليه، ليقيم عليهم بذلك الحجة على ما يتعارفونه بينهم، ويكف عن القتل من سبقت له منه العناية بما يتصور من فظاعة القتل، وقبح صورته وفحش أمره، وعبر بأداة الاستعالء التي هي للحتم من الوجوب والحرمة، لأن لاسياق للزجر، فهي تفهم المناع عن الإقدام على القتل في هذا المقام ) أنه من قتل نفساً ) أي من ابني آدم، وكأنه أطلق تعظيماً لهم إشارة إلى أن غيرهم جماد ) بغير نفس ) أي نم ابني آدم، وكأنه أطلق تعظيماً لهم بها فاستباح قتلها لتلك النفس التي قتلتها ) أو ( قتلها بغير ) فساد ( وقع منها.
ولما كانت الأرض - مع أنها فراشنا فهي محل التوليد والتربية والتنمية - دار الكدر، وكان فساد من أفسد فراشه الموصوف - لا سيما وهو في كدر - دالاً على سوء جبلته، وكان سوء الجبلة موجباً للقتل، قال :( في الأرض ) أي يبيح ذلك الفساد دمها كالشرك والزنا بعد الإحصان وكل ما يبيح إراقة الدم، وقد علم بهذا أن قصة ابني آدم مع شدة التحامها بما قبل توطئة لما بعد، وتغليظُ أمر القتل تقدم عن التوراة في سورة البقرة، وقوله :( فكأنما قتل الناس جميعاً ( من جملة الأدلة المبطلة لما ادعوا من البنوة، إذ معناه أن الناس شرع واحد من جهة نفوسهم متساوون فيها.
كلهم أولاد آدم، لا فضل لأحد منهم على آخر في أصل تحريم القتل بغير ما ذكر من الموجب من قصاص أو فساد لا من بني إسرائيل ولا من غيرهم، وذلك كما قال تعالى في ثاني