صفحة رقم ٤٥٦
يسابق غيره، وفي تبيينهم بالمنافقين وأهل الكتاب بشارة بإتمام النعمة على العرب بدوام إسلامهم ونصرهم عليهم، وقدم أسوأ القسمين فقال :( من الذين قالوا آمنا ( ولما كان الكلام هو النفسي، أخرجه بتقييده بقوله :( بأفواههم ( معبراً لكونهم منافقين بما منه ما هو أبعد عن القلب من اللسان، فهم إلى الحيوان أقرب منهم إلى الإنسان، وزاد ذلك بياناً بقوله :( ولم تؤمن قلوبهم ( ولما بين المسارعين بالمنافقين، عطف عليهم قسماً آخر هم أشد الناس مؤاخاة لهم فقال :( ومن الذين هادوا ) أي الذين عرفت قلوبهم وكفرت ألسنتهم تبعاً لمخالفة قلوبهم لما تعف عناداً وطغياناً، ثم أخبر عنهم بقوله :( سمّاعون ) أي متقبلون غاية التقبل بغاية الرغبة ) للكذب ) أي من قوم من المنافقين يأتونك فينقلون عنك الكذب ) سمّاعون لقوم آخرين ) أي الصدق، ثم وصفهم بقوله :( لم يأتوك ) أي لعلة، وذكر الضمير لإرادة الكلام، لأن المقصود البغض على نفاقهم ) يحرفون الكلم ) أي الذي يسمعونه عنك على وجهة فيبالغون في تغييره وإمالته بعد أن يقيسوا المعنيين : المغير والمغير إليه، واللفظين فلا يبعدوا به، بل يأخذون بالكلم عن حده وطرفه إلى حد آخر قريب منه جداً، ولذلك، أثبت الجار فقال :( من بعد ) أي يثبتون الإمالة من مكان قريب من ) مواضعه ) أي النازلة عن رتبته بأن يتأولوه على غير تأويله، أو يثبتوا ألفاظاً من الحرف وهو الحد والطرف، وانحرف عن الشيء : مال عنه، قال الصغاني : وتحريف الكلام عن مواضعه : تغييره، وقال أبو عبد الله القزاز : والتحريف والتفعيل، من : انحرف عن الشيء.
إذا مال، فمعنى حرفت الكلام : أزلته عن حقيقة ما كان عليه
في المعنى، وأبقيت له شبه اللفظ، ومنه قوله تعالى ) يحرفون الكلم (، وذلك أن اليهود كانت تغيير معاني التوراة بالأشباه، وفي الحديث " يسلط عليهم طاعون يحرف عن جهته، أي بالتخفيف مثل : حرفته، والمحارفة : المقايسة، من المحراف وهو الميل الذي يقاس به الجراح. انتهى. فالآية من الاحتباك : حذف منها أولا الإتيان وأثبت عدمه ثانيا للدلالة عليه، وحذف منها ثانيا الصدق ودل بإثبات ضده الكذب في الأولى.
ولما كان كأنه قيل :
ولملا كان كأنه قيل : ما غرضهم بإثبات الكذب وتحريف الصدق ؟ قال :( يقولون ) أي لمن يوافقهم ) إن أوتيتم ) أي من أي مؤت كان ) هذا ) أي المكذوب والمحرف ) فخذوه ) أي اعملوا به ) وإن لم تؤتوه ) أي بأن أوتيتم غيره أو سكت عنكم ) فاحذروا ) أي بأن تؤتوا غيره فتقبلوه.