صفحة رقم ٤٥٨
وأما أهل الجزية فيجب الحكم بينهم إذا ترافعوا إلى حاكمنا - مسبباً عن أكلهم الحرام وسماعهم الكذب :( وإن ( دالاً بعطفه على غير معطوف عليه أن التقدير : فإن حكمت بينهم لم ينفعوك شيئاً لإقبالك عليهم، قال : وإن ) تعرض عنهم ) أي الكفرة كلهم من المصارحين والمنافقين ) فلن يضروك شيئاً ) أي إعراضك عنهم واستهانتك بهم.
ولما كان التخيير غير مراد الظار في جواز الحكم بينهم عند الترافع إلينا وعدمه، بل معناه عدم المبالاة بهم، أعرض عنهم أولاً، فحقيقته بيان العاقبة على تقديري الفعل والترك، علَّمه كيف يحكم بينهم، فقال عاطفاً على ما قدرته :( وإن حكمت ) أي فيهم ) فاحكم ) أي أوقع الحكم ) بينهم بالقسط ) أي العدل الذي أراكه الله - على أن الآية ليست في أهل الذمة، والحكم في ترافع الكفار إلأينا أنه كان منهم أو من أحدهم التزام لأحكامنا أم منا التزام للذب عنهم وجب، لقوله تعالى ) فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم ( وإلا لم يجب، ثم علل ذلك بقوله :( إن الله ) أي الذي له صفات الكمال ) يحب المقسطين ) أي الفاعلين للعدل السوي من غير حيف أصلاً.
ولما كان التقدير : فكيف يحكمونك وهم يكذبونك ويدعون أنك مبطل، عطف عليه قوله معجباً منهم موبخاً لهم :( وكيف يحكمونك ) أي في شيء من الأشياء ) وعندهم ) أي والحال أنه عندهم ) التوراة ( ثم استأنف قوله :( فيها حكم الله ) أي الذي لا يداني عظمته عظمة وهو الذي كان مقرراً في شرعهم أنه لا يسوغ خلافه، فإن كانوا يعتقدون ذلك إلى الآن لم يجز لهم العدول إليك على زعمهم، وإن كانوا لا يعتقدونه ويعتقدون أن حكمك هو الحق ولم يؤمنوا بك كانوا قد آمنوا ببعض وكفروا ببعض.
ولما كان الإعراض عن حكمه سبحانه عظيماً، وكان وقوعه ممن يدعي أنه مؤمن به بعيداً عظيماً شديداً، قال :( ثم يتولون ) أي يكلفون أنفسهم الإعراض عنه سواء تأيد بحكمك به أو لا لأجل الأعراض الدنيوية، ولما كان المراد بالحكم الجنس، وكانوا يفعلون بعض أحكامها فلم يستغرق زمان توليهم زمان البعد، أدخل الجار لذلك فقال :( من بعد ذلك ) أي الأمر العالي وهو الحكم الذي يعلمون أنه حكم الله، فلم يبق تحكيمهم لك من غير إيمان بك إلا تلاعباً.


الصفحة التالية
Icon