صفحة رقم ٤٥٩
ولما كان التقدير : فما أولئك بالمريدين للحق في ترافعهم إليك، عطف عليه قوله :( وما أولئك ) أي البعداء من الله ) بالمؤمنين ) أي العريقين في صفة الإيمان بكتابهم ولا بغيره مما يستحق الإيمان به، لأنهم لو كانوا عريقين في ذلك آمنوا بك لأن كتابهم دعا إليك.
المائدة :( ٤٤ ) إنا أنزلنا التوراة.....
) إِنَّآ أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَآءَ فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ( ( )
ولما تضمن هذا مدح التوراة، صرح به فقال تأكيداً لذمهم في الإعراض عما دعت إليه من أصل وفرع، وتحذيراً من مثل حالهم :( إنا أنزلنا ) أي على ما لنا من العظمة ) التوراة ( ثم استأنف قوله معظماً لها :( فيها هدى ) أي كلام يهدي بما يدعو إليه إلى طريق الجنة ) ونور ) أي بيان لا يدع لبساً، ثم استأنف المدح للعاملين بها فقل :( يحكم بها النبيون ( ووصفهم بأعلى الصفات وذلك الغنى المحض، فقال مادحاً لا مقيداً :( الذين أسلموا ) أي أعطوا قيادهم لربهم سبحانه حتى لم يبق لهم اختيار اصلاً، وفيه تعريض بأن اليهود بعداء من الإسلام وإلا لاتبعوا أنبياءهم فيه، فكانوا يؤمنون بكل من قام الدليل على نبوته.
ولما كان المعلوم أن حكمهم بأمر الله لهم باتباع التوراة ومراعاتها، عُلِم أن لاتقدير : بما استحفظوا من كتاب الله، فحذف لدلالة ما يأتي عليه وإشعار الإسلام به، ثم بين المحكوم له تقييداً به إشارة إلى أنها ستنسخ فقال :( للذين هادوا ) أي لمن التزم اليهودية ) والرّبانيون ) أي أهل الحقيقة، منهم الذين انسلخوا نم الدنيا وبالغوا فيما يوجب النسبة إلى الرب ) والأحبار ) أي العلماء الذي أسلموا ) بما ) أي بسبب ما.
ولما كان سبب إسلام أمرهم بالحفظ، لا كونه من الله بلا واسطة، بني للمفعول قوله :( استُحفظوا ) أي الأنبياء ومن بعدهم ) من كتاب الله ) أي بسبب ما طلبوا منهم وأمروا به من الحفظ لكتاب الذي له جميع صفات الكمال الذي هو صفته، فعظمته من عظمته، وحفظه : دراسته والعمل بما فيه ) وكانوا ) أي وبما كانوا ) عليه شهداء ) أي رقباء حاضرين لا يغيبون عنه ولا يتركون مراعاته أصلاً، فالآية - كما ترى - من فن الاحتباك : ترك أولاً ( بما استحفظوا ) لدلالة ما ذكر هان عليه، وترك ذكر الإسلام هنا لدلالة ذكره أولاً عليه، وإنما خص الأول بذكر الإسلام لأن الأنبياء أحق به، وهو


الصفحة التالية
Icon