صفحة رقم ٤٧٨
دعواه بعد طول الإلف له وإخلاد النفوس إليه واستحكامه بمرور الأعصار وتقلب الأدوار ؛ أو زيغ وميل اتهاماً وتجويزاً كما فعل أول المتكبرين إبليس، فتؤثرون الركون إليه والعكوف عليه لمتابعة الهوى والوقوف عند مجرد الشهوة.
ولما كان في الاختبار أعظم تهديد، سبب عنه قوله :( فاستبقوا الخيرات ) أي افعلوا في المبادرة إليها بغاية الجهد فعل نم يسابق شخصاً يخشى العار بسبقه له، ثم علل ذلك بقوله :( إلى الله ) أي الشارع لذلك، لا إلى غيره، لأنه الملك الأعلى ) مرجعكم جميعاً ( وإن اختلفت شرائعكم، حساً في القيامة، ومعنى في جميع أموركم في الدارين ) فينبئكم ) أي يخبركم إخباراً عظيماً ) بما كنتم ) أي بحسب اختلاف الجبلات ؛ ولما كان في تقديم الظرف إبهام، وكان الإفهام بعد الإبهام أوقع في النفس، قال ) فيه تختلفون ) أي تجددون الخلاف مستمرين عليه، ويعطي كلاماً يستحقه، ويظهر سر الاختلاف وفائدة الوفاق والائتلاف.
المائدة :( ٤٩ - ٥١ ) وأن احكم بينهم.....
) وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَآءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ( ( )
ولما كان الأمر بالحكم فيما مضى لكونه مسبباً عما قبله من إنزال الكتاب على الأحوال المذكورة، أعاد الأمر به سبحانه مصرحاً بذلك لذاته لا لشيء آخر، ليكون الأمر به مؤكداً غاية التأكيد بالأمر به مرتين : مرة لأن الله أمر به، وأخرى لأنه على وفق الحكمة، فقال تأكيداً له وتنويهاً بعظيم شأنه ومحذراً من الأعداء فيما يلقونه من لاشبه للصد عنه :( وأن ) أي احكم بينهم بذلك لما قلنا من السبب وما ذكرنا نم العلة في جعلنا لكل ديناً، ولأنا قلنا آمرين لك أن ) احكم بينهم ) أي أهل الكتب وغيرهم ) بما أنزل الله ) أي المختص بصفات الكمال لأنه يستحق أن يتبع أمره لذات وبين أن مخالفتهم له وإعراضهم عنه إنما هو مجرد هوى، لأن كتابهم داع إليه، فقال :( ولا تتبع أهواءهم ( ي في عدم التقييد به ) واحذرهم أن يفتنوك ) أي يخالطوك بكذبهم على الله وافترائهم وتحريفهم الكلم ومراءاتهم مخالطفة تميلك ) عن بعض ما أنزل الله ) أي الذي لا أعظم منه، فلا وجه أصلاً للعدول عن أمره ) إليك فإن تولوا ) أي كلفو أنفسهم الإعراض عما حكمت به بينهم مضادين لما دعت إليه الطفرة الأولة من اتباع الحق


الصفحة التالية
Icon