صفحة رقم ٥٠٤
ما أنزل إليك عمى على عماهم ومن الأمة المقتصدة وغيرهم - فهو حظه في الدنيا والآخرة، ومن أبى فلا يحزنك أمره، لأن الله هو الذي أراد ضلاله.
فالتقدير : بلغ، فليس عليك إلاّ البلاغ، وإلى الله الهدى والضلال، إن الله لا يهدي القوم الكافرين ويهدي القوم المؤمنين، أو فإذا بلغت هدى بك ربُك من أراد إيمانه، ليكتب لك مثل أجرهم، وأضل من شاء كفرانه، ولا يكون عليك شيء من وزرهم، إن الله لا يهدي القوم الكافرين، والمعنى كما تقدم : يعصمك من أن ينالوك بما يمنعك من الإبلاغ حتى يتم دينك ويظهر على الدين كله كما وعدتك، وعلى مثل هذا دل كلام إمامنا الشافعي رحمه الله، قال في الجزء الثالث من الأم : ويقال - والله أعلم : إن أول ما أنزل عليه صلى الله عليه سولم
٧٧ ( ) اقرأ باسم ربك الذي خلق ( ) ٧
[ العلق : ١ ] ثم أنزل عليه بعدها ما لم يؤمر فيه بأن يدعو إليه المشركين، فمرت لذلك مدة، ثم يقال : أتاه جبريل عليه السلام عن الله عز وجل بأن يعلمهم نزول الوحي عليه ويدعوهم إلى الإيمان.
فكبر ذلك عليه وخاف التكذيب وأن يُتَناول، فنزل عليه
٧٧ ( ) ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالتك والله يعصمك من الناس ( ) ٧
[ المائدة : ٦٧ ] : من قبلهم أن يقتلوك حتى تبلغ ما أنزل إليك - انتهى.
ولقد وفي سبحانه بما ضمن ومن أوفى منه وعداً وأصدق قيلاً فلما أتم الدين وأرغم أنوف المشركين، أنفذ فيه السم الذي تناوله بخيبر قبل سنين فتوفاه شهيداً كما أحياه سعيداً ؛ روى الشيخان : البخاري في الهبة، ومسلم في الطب، وأبو داود في الديات عن أنس بن مالك رضي الله عنه ( أن امرأة يهودية أتت رسول الله ( ﷺ ) بشاة مسمومة فأكل منها، فجيء بها إلى رسول الله ( ﷺ ) فسألها عن ذلك فقالت : أردت لأقتلك، فقال :( ما كان الله ليسلطك على ذلك ( - أو قال :( عليّ ( فقالوا : ألا تقتلها ؟ قال : لا، فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله ( ﷺ ) ) قال أبو داود : وذكره غيره أنها بنت أخي مرحب أن اسمها زينب بنت الحارث، وذكر الزهري أنها أسلمت، ولأبي داود والدارمي - وهذا لفظه - عن أبي سلمة - وهو ابن عبد الرحمن بن عوف - قال :( كان رسول الله ( ﷺ ) يأكل الهدية ولا يقبل الصدقة، فأهدت له امرأة من يهود خيبر شاة مصلية فتناول منها، وتناول منها بشر بن البراء، ثم رفع النبي ( ﷺ ) يده ثم قال :( إن هذه تخبرني أنها مسمومة (، فمات بشر بن البراء رضي الله عنه، فأرسل إليها النبي ( ﷺ ) فقال :( ما حملك على ما صنعت ؟ ( فقال : إن كنت نبياً لم يضرك شيء، وإن كنت ملكاً أرحت الناس منك، قال أبو داود : فأمر بها رسول الله ( ﷺ ) فقتلت.
زاد الدارمي : فقال في مرضه : ما زلت من الأكلة التي أكلت بخيبر، فهذا أوان انقطاع أبهري ) وهذا مرسل.
قال البيهقي : ورويناه عن حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال البيهقي : ويحتمل أنه لم يقتلها في الابتداء، ثم لما مات بشر أمر بقتلها.
وقصة هذه الشاة عن أبي هريرة رواها البخاري في الجزية والمعازي والطب، والدارمي في أول المسند بغير هذا السياق - كما مضى في البقرة في قوله تعالى
٧٧ ( ) وقالوا لن تمسنا النار إلاّ أياماً معدودة ( ) ٧
[ البقرة : ٨٠ ] وقد مضى في أول هذه السورة عند قوله
٧٧ ( ) فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين ( ) ٧
[ المائدة : ١٣ ] شيء منه.
ولأبي داود والدارمي عن ابن شهاب قال :( كان جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يحدث أن يهودية من أهل خيبر سمت شاة مصلية ثم أهدتها لرسول الله ( ﷺ )، فأخذ رسول الله ( ﷺ ) الذراع فأكل منها، وأكل رهط من أصحابه معه، ثم قال لهم رسول الله ( ﷺ ) :( ارفعوا