صفحة رقم ٥٢٥
كهرقل والمقوقس وهوذة بن علي وغيرهم، وغايتهم أنهم ضنوا بملكهم، وأما غير النصارى فإنهم كانوا على غابة الفظاظة ككسرى فإنه مزق كتابه ( ﷺ ) ولم يجز رسوله بشيء، وأما اليهود فكانوا جيران الأنصار ومواليهم وأحبابهم، ومع ذلك فأحوالهم في العداوة غاية، كما هو واضح في السير، مبين جداً في شرحي لنظمي للسيرة، وكان السر في ذلك - مع ما تقدم من باعث الزهد - أنه لما كان عيسى عليه السلام أقرب الأنبياء زمناً من زمن النبي ( ﷺ ) كان المنتمون إليه ولو كانوا كفرة أقرب الأمم مودة لاتباع النبي ( ﷺ )، وإلى ذلك يشير ما رواه الشيخان في الفضائل عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ( ﷺ ) قال : أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة، الأنبياء أولاد علات - وفي رواية : أبناء، وفي رواية : إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد، وليس بيني وبينه، وفي رواية : وليس بيني وبين عيسى - نبي.
وفي رواية لمسلم : أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الأولى والآخرة، قالوا : كيف يا رسول الله قال : الأنبياء إخوة من علات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد، فليس بيننا نبي.
المائدة :( ٨٦ - ٨٧ ) والذين كفروا وكذبوا.....
) وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ( ( )
ولما ذكر سبحانه وتعالى جزاء المطيعين المبادرين إلى الإذعان ترغيباً، ذكر جزاء من لم يفعل فعلهم ترهيباً فقال :( والذين كفروا ) أي ستروا ما أوضحته له عقولهم من الدلالة على صحة ما دعتهم إليه الرسل ) وكذبوا ) أي عناداً ) بآياتنا ) أي بالعلامات المضافة لعظمها إلينا ) أولئك ) أي البعداء من الرحمة ) أصحاب الجحيم ) أي الذين لا ينفكون عنها، لا غيرهم من العصاة المؤمنين وإن كثرت كبائرهم.
ولما مدح سبحانه الرهبان، وكان ذلك داعياً إلى الترهب، وكانت الرهبانية حسنة بالذات قبيحة بالعرض، شريفة في المبدأ دنية في المآل، فإنها مبنية على الشدة والاجتهاد في الطاعات والتورع عن أكثر المباحات، والإنسان مبني على الضعف مطبوع على النقائص، فيدعوه طبعه ويساعده ضعفه إلى عدم الوفاء بما عاقد عليه، ويسرع بما له من صفة العجلة إليه، فيقع في الخيانة كما قال تعالى :( ) فما رعوها حق رعايتها ( ) [ الحديد : ٢٧ ] عقب ذلك بالنهي عنها في هذا الدين والإخبار عنه بأنه بناه على التوسط


الصفحة التالية
Icon