صفحة رقم ٥٣٩
ولما بدأ بالتقوى وهي خوف الله الحامل على البعد عن المحرمات، ذكر أساسها الذي لا تقبل إلا به فقال :( وآمنوا ( ولما ذكر الإقرار باللسان، ذكر مصداقه فقال :( وعملوا ) أي بما أداهم إليه اجتهادهم بالعلم لا اتفاقاً ) الصالحات ثم اتقوا ) أي فاجتنبوا ما جدد عليهم تحريمه ) وآمنوا ) أي بأنه من عند الله، وأن الله له أن يمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء، وهكذا كلما تكرر تحريم شيء كانوا يلابسونه.
ولما كان قد نفى الجناح أصلاً ورأساً، شرط الإحسان فقال :( ثم اتقوا وأحسنوا ) أي لازموا التقوى إلى أن أوصلتهم إلى مقام المراقبة، وهي الغنى عن رؤية غير الله، فأفهم ذلك أن من لم يبلغ رتبة الإحسان لا يمتنع أن يكون عليه جناح مع التقوى والإيمان، يكفر عنه بالبلايا والمصائب حتى ينال ما قدر له مما لم يبلغه عمله من درجات الجنان، ومما يدل على نفاسة التقوى وعزتها أنه سبحانه لما شرطها في هذا العموم، حث عليها عند ذكر المأكل بالخصوص - كما مضى فقال ( واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون )، وهذا في غاية الحث على التورع في المأكل والمشرب وإشارة إلى أنه لا يوصل إلى مقام الإحسان إلا به - والله الموفق ؛ ولما كان التقدير : فإن الله يحب المتقين المؤمنين، عطف عليه قوله :( والله ) أي الذي له صفات الكمال ) يحب المحسنين (.
ولما ذكر ما حرم من الطعام في كل حال، وكان الصيد ممن حرم في بعض الأوقات، وكان من أمثل مطعوماتهم، وكان قد ذكر لهم بعض أحكامه عقب قوله :( أحلت لكم بهيمة الأنعام ( ) وأحل لكم الطيبات ( أخذ هنا في ذكر شيء من أحكامه، وابتدأها - لأنهم خافوا على من مات منهم على شرب الخمر قبل تحريمها بأنه يبتليهم لتمييز الورع منهم من غيره - بالصيد في الحال التي حرمه عليهم فيها كما ابتلى إسرائيل في السبت، فكان ذلك سبباً لجعلهم قردة، ومنَّ سبحانه عل الصحابة من هذه الأمة بالعصمة عند بلواهم بياناً لفضلهم على من سواهم، فقال تعالى منادياً لهم بما يكفّهم ذكره عن المخالفة :( يا أيها الذين آمنوا ) أي أوقعوا الإيمان ولو على أدنى وجوهه، فعم بذلك العالي والداني ) ليبلونكم الله ) أي يعاملكم معاملة المختبر في قبولكم تحريم الخمر وغيره المحيط بكل شيء قدرة وعلماً، وذكر الاسم الأعظم إشارة بالتذكير بما له من الجلال إلى أن له أن يفعل ما يشاء، وأشار إلى تحقير البلوى تسكيناً للنفوس بقوله :( بشيء من الصيد ) أي الصيد في البر في الإحرام، وهو ملتفت إلى قوله :
٧٧ ( ) هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله ( ) ٧
[ المائدة : ٦٠ ] وشارح لما ذكر أول السورة في قوله ) غير محلي الصيد وأنتم حرم (، وما ذكر بعد المحرمات من قوله :
٧٧ ( ) فكلوا مما أمسكن عليكم ( ) ٧
[ المائدة : ٤ ]، ووصف المبتلى به بوصف هو من أعلام النبوة فقال :( تناله