صفحة رقم ٥٤٠
أيديكم ) أي إن أردتم أخذه سالماً ) ورماحكم ( إن أردتم قتله، ثم ذكر المراد من ذلك وهو إقامة الحجة على ما يتعارفه العباد بينهم فقال :( ليعلم الله ) أي وهو الغني عن ذلك بما له من صفات الكمال التي لا خفاء بها عند أحد يعلم هذا الاسم الأعظم ) من يخافه بالغيب ) أي بما حجب به من هذه الحياة النيا التي حجبتهم عن أن يعرفوه حق معرفته سبحانه، والمعنى أنه يخرج بالامتحان ما كان من أفعال العباد في عالم الغيب إلى عالم الشهادة، فيصير تعلق العلم به تعلقاً شهودياً كما كان تعلقاً غيبياً لتقوم بذلك الحجة على الفاعل في مجاري عاداتهم، ويزداد من له اطلاع على اللوح المحفوظ من الملائكة إيماناً ويقيناً وعرفاناً، وقد حقق سبحانه معنى هذه الآية فابتلاهم بذلك عام الحديبية حتى كان يغشاهم الصيد في رحالهم ويمكنهم أخذه بأيديهم.
ولما كان هذا زاجراً في العادة عن التعرض لما وقعت البلوى به وحاسماً للطمع فيه بمن اتسم بما جعل محط النداء من الإيمان، سبب عنه قوله :( فمن اعتدى ) أي كلف نفسه مجاوزة الحد في التعرض له ؛ وملا كان سبحانه يقبل التوبة عن عباده، خص الوعيد بمن استغرق الزمان بالاعتداء فأسقط الجار لذلك فقال :( بعد ذلك ) أي الزجر العظيم ) فله عذاب أليم ( بما التذَّ من تعرضه إليه لما عرف بالميل إلى هذا أنه إلى ما هو أشهى منه كالخمر وما معها أميل.
المائدة :( ٩٥ ) يا أيها الذين.....
) يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ( ( )
ولما أخبرهم بالابتلاء صرح لهم بما لوح إليه بذكر المخافة من تحريم التعرض لما ابتلاهم به، فقال منوِّهاً بالوصف الناهي عن الاعتداء :( يا أيها الذين آمنوا ( وذكر القتل الذي هو أعم من الذبح إشارة إلى أن الصيد - لما عنده من النفرة المانعة من التمكن من ذبحه - يحبس بأي وجه كان من أنواع القتل فقال :( لا تقتلوا الصيد ) أي لا تصطادوا ما يحل أكله من الوحش، وأما غير المأكول فيحل قتله، فإنه لاحظ للنفس في قتله إلا الإراحة من أذاه المراد بالفسق في قوله ( ﷺ ) :( خمس في الدواب فواسق، لا جناح على من قتلها في حل ولا حرم ) وذكر منهن السبع العادي، فدل الحكم برفع


الصفحة التالية
Icon