صفحة رقم ٥٤٦
بحال غيرهم في هذا، وأنهم سألوا فأعطوا ثم امتحنوا، وقد كان التسليم أولى لهم، فقال تعالى
٧٧ ( ) قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين ( ) ٧
[ المائدة : ١٠٢ ] ثم عرّف عباده أنهم إذا استقاموا فلن يضرهم خذلان غيرهم
٧٧ ( ) يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ( ) ٧
[ المائدة : ١٠٥ ] - انتهى.
ولما رغب سبحانه ووهب، علم أنه المجازى وحده، فأنتج ذلك أنه ليس غلى غيره إلاّ ما كلفه به، فأنتج ذلك ولا بد قوله :( ما على الرسول ) أي الذي من شأنه الإبلاغ ) إلا البلاغ ) أي بأنه يحل لكم الطعام وغيره ويحرم عليكم الخمر وغيرها، وليس عليه أن يعلم ما تضمرون وما تظهرون ليحاسبكم عليه ) والله ) أي المحيط بكل شيء قدرة وعلماً ) يعلم ما تبدون ) أي تجددون إبداءه على الاستقرار ) وما تكتمون ( من إيمان وكفر وعصيان وطاعة وتعمد لقتل الصيد وغيره ومحبة للخمر وغيرها وتعمق في الدين بتحريم الحلال من الطعام والشراب وغيره إفراطاً وتفريطاً، لأنه الذي خلقكم وقدّر ذلك فيكم في أوقاته، فيجازيكم على ما في نفس الأمر، من عصي أخذه بشديد العقاب، ومن أطاعه منحه حسن الثواب، وأما الرسول ( ﷺ ) فلا يحكم إلاّ بما يعلمه مما تبدونه ما لم أكشف له الباطن وآمره فيه بأمري، وهذه أيضاً ناظرة إلى قوله تعالى
٧٧ ( ) بلّغ ما أنزل إليك من ربك ( ) ٧
[ المائدة : ٦٧ ].
ولما سلب سبحانه العلم عن كل أحد وأثبته لنفسه الشريفة، أنتج ذلك أنه لا أمر لغيره ولا نهي ولا إثبات ولا نفي، فأخذ سبحانه يبين حكمة ما مضى من الأوامر في إحلال الطعام وغيره من الاصطياد والأكل من الصيد وغيره والزواجر عن الخمر وغيرها بأن الأشياء منها طيب وخبيث، وأن الطيب وإن قل خير من الخبيث وإن كثر، ولا يميز هذا من ذاك إلاّ الخلاق العليم، فربما ارتكب الإنسان طريقة شرعها لنفسه ظانّاً أنها حسنة فجرته إلى السيئة وهو لا يشعر فيهلك، كالرهبانية التي كانوا عزموا علهيا والخمر التي دعا شغفُهم بها إلى الإنزال فيها مرة بعد أخرى إلى أن أكد فيها هنا أشد تأكيد، وحذر فيها أبلغ تحذير، فقال تعالى صارفاً الخطاب إلى أشرف الورى ( ﷺ ) إشارة إلى أنه لا ينهض بمعرفة هذا من الخلق غيرُه :( قل لا يستوي الخبيث ) أي من المطعومات والطاعمين ) والطيب ) أي كذلك، فإن ما يتوهمونه في الكثرة من الفضل لا يوازي النقصان من جهة الخبيث.
ولما كان الخبيث من الذوات والمعاني أكثر في الظاهر وأيسر قال :( ولو أعجبك كثرة الخبيث ( والخبيث والطيب منه جسماني ومنه روحاني، وأخبثهما الروحاني وأخبثه


الصفحة التالية
Icon