صفحة رقم ٥٥
ذل أهل الدنيا في دنياهم الذي ألزمهم سبحانه وتعالى إياه بما أذلتهم أنفسهم، فاستعملتهم في شواتها وأذلهم أتباعهم فتوسلوا بهم إلى قضاء أغراضهم في أهوائهم، ويستذلهم من يظلمونه بما ينتصفون منهم، وينالهم من ذل تضييع الدين، ويبدو على وجوههم من ظلمة الظلم ما يشهد ذلهم فيه أبصار العارفين - انتهى.
ولعل نصارى نجران أشد قصداً بهذا الخطاب، فإنهم خافوا أن ينزع منه ملوك الروم ما خولوهم فيه من الدنيا إن أخبروا بما يعلمون من أمر هذا النبي الأمي ( ﷺ ).
ولما تقرر أنه مالك لما تقدم أنتج أن له التصرف المطلق فعبر عنه بقوله :( بيدك ) أي وحدك ) الخير ( ولم يذكر الشر تعليماً لعباده الأدب في خطابه، وترغيباً لهم في الإقبال عليه والإعراض عما سواه، لان العادة جارية بأن الناس أسرع شيء إلى معطي النوال وباذل الأموال، وتنبيهاً على أن الشر أهل للإعراض عن كل شيء من أمره حتى عن مجرد ذكره وإخطاؤه بالبال، مع أن الاقتصار على لاخير يملك الخير كله مستلزم لمثل ذلك في الشر، لأنهما ضدان، كل منهما مساوٍ لنقيض الآخر، فإثبات أحدهما نفي للآخر ونفيه إثبات للآخر، فلا يعطى الخير إلا وقد نفي الشر، ولا ينزع الخير إلا وقد وضع الشر - والله سبحانه وتعالى أعلم.
ولما أفهم أن الشر بيده كما أعلم أن الخير بيده وخاص به قرر ذلك على وجه أعم بقوله معللاً :( إنك على كل شيء قدير (
آل عمران :( ٢٧ - ٣٢ ) تولج الليل في.....
) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي الْلَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرْكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ قُلْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ( ( )
فلما ثبتت خصوصيته سبحانه وتعالى بصفة القدرة على الوجه الأعم ذكر بعض ما تحت ذلك مما لم يدخل شيء منه تحت قدرة غيره فقال :- وقال الحرالي : ولما كانت هذه الآية متضمنة تقلبتات نفسانية في العالم القائم الآدمي اتصل بها ذكر تقلبات في العالم الدائر ليؤخذ لكل منها اعتبار من الآخر.
ولما ظهر في هذه الآية افتراق النزع والإيتاء والإعزاز والإذلال أبدى في الآية التالية توالج بعهضا في بعض ليؤذن بولوج العز