صفحة رقم ٥٥٨
ولما كان قد استشعر من التفصيل في أمر الشهود مخالفة لبقية الشهادات، فكان في معرض السؤال عن الشهود : ماذا يفعل بهم ؟ قال مستأنفاً :( تحبسونهما ) أي تدعونهما إليكم وتمنعونهما من التصرف لأنفسهما لإقامة ما تحملاه من هذه الواقعة وأدائه ؛ ولما كان المراد إقامة اليمين ولو في أيسر زمن، لا استغراق زمن البعد بالحبس، أدخل الجار فقال :( من بعد الصلاة ) أي التي هي أعظم الصلوات ؛ فكانت بحيث إذا أطلقت معرفة انصرفت إليها وهي الوسطى وهي العصر، ثم ذكر الغرض من حبسهما فقال :( فيقسمان بالله ) أي الملك الذي له تمام القدرة وكمال العلم، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن اليمين إنما تكون إذا كانا من غيرنا، فإن كانا مسلمين فلا يمين، وعن غيره، إن كان الشاهدان على حقيقتهما فقد نسخ تحليفهما، وإن كان الوصيين فلا ؛ ثم شرط لهذا الحلف شرطاً فقال اعتراضاً بين القسم والمقسم عليه :( إن ارتبتم ) أي وقع بكم شك فيما أخبرا به عن الواقعة ؛ ثم ذكر المقسم عليه بقوله :( لا نشتري به ) أي هذا الذي ذكرناه ) ثمناً ) أي لم نذكره ليحصل لنا به عرض دنيوي وإن كان في نهاية الجلالة، وليس قصدنا به إلا إقامة الحق ) ولو كان ( أ يالوصي الذي أقسمنا لأجله تبرئة له ) ذا قربى ) أي لنا، أي إن هذا الذي فعلناه من التحري عادتنا التي أطعنا فيها
٧٧ ( ) كونوا قوّامين بالقسط شهداء الله ( ) ٧
[ النساء : ١٣٥ ] - الآية، لا أنه فعلنا في هذه الواقعة فقط ) ولا نكتم شهادة الله ) أي هذا الذي ذكرناه لم نبدل فيه لما أمر الله به من حفظ الشهادة وتعظيمها، ولم نكتم شيئاً وقع به الإشهاد، ولا نكتم فيما يستقبل شيئاً نشهد به لأجل الملك الأعظم المطلع على السرائر كما هو مطلع على الظواهر ؛ ثم علل ذلك بما لقنهم إياه ليكون آخر كلامهم، كل ذلك تغليظاً وتنبيهاً على أن ذلك ليس كغيره من الأيمان، فقال تذكيراً لهم وتحذيراً من التغيير :( إنا إذاً ) أي إذا فعلنا شيئاً من التبديل أو الكتم ) لمن الآثمين فإن ( ولما كان المراد مجرد الاطلاع بني للمفعول قوله :( عثر ) أي اطلع مطلع بقصد أو بغير قصد ؛ قال البغوي : وأصله الوقوع على الشيء أي من عثرة الرجل ) على أنهما ) أي الشاهدين إن أريد بهما الحقيقة أو الوصيين ) استحقا إثماً ) أي بسبب شيء خانا فيه من أمر الشهادة ) فآخران ) أي من الرجال الأقرباء للميت ) يقومان مقامهما ) أي ليفعلا حيث اشتدت الريبة من الإقسام عند مطلق الريبة ما فعلا ) من الذين استحق ) أي طلب وقوع الحق بشهادة من شهد ) عليهم ( هذا على قراءة الجماعة، وعلى قراءة حفص بالبناء للفاعل، المعنى : وجد وقوع الحق عليهم، وهم أهل الميت وعشيرته.
ولما كان كأنه قيل : ما منزلة هذين الآخرين من الميت ؟ فقيل :( الأوليان ) أي الأحقان بالشهادة الأقربان إليه العارفان بتواطن أمره، وعلى قراءة أبي بكر وحمزة


الصفحة التالية
Icon