صفحة رقم ٥٨٤
يصل إلى استثمار فائدته إلا من هيئ بحسب السابقة فقال تعالى :
٧٧ ( ) إنما يستجيب الذين يسمعون ( ) ٧
[ الأنعام : ٣٦ ] ثم قال تعالى :
٧٧ ( ) والموتى يبعثهم الله ( ) ٧
[ الأنعام : ٣٦ ]، وهو - والله أعلم - من نمط ) أو من كان ميتاً فأحييناه (، أجمل هنا ثم فسر بعد في السورة بعينها، والمراد أن من الخلق من جعله الله سامعاً مطيعاً متيقظاً معتبراً بأول وهلة، وقد أري المثال سبحانه وتعالى في ذلك في قصة إبراهيم عليه السلام في قوله :
٧٧ ( ) وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض ( ) ٧
[ الأنعام : ٧٥ ]، فكأنه يقول لعباده المتقين : تعالوا فانهجوا طريق الاعتبار ملة أبيكم إبراهيم كيف نظر عليه السلام نظر السامع المتيقظ فلم يعرج في أول نظره على ما سبب وجوده بيِّنٌ فيحتاج فيه إلى غرض في الكواكب والقمر والشمس، بل نظر فيما عنه صدر النور، لا في النور، فلما جن عليه الليل رأى كوكباً، فتأمل كونه عليه ا لسلام لم يطول النظر بالتفات النور، ثم كان يرجع إلى اعتبار الجرم الذي عنه النور، بل لما رأى النور عن أجرام سماوية تأمل تلك الأجرام وما قام بها من الصفات، فرأى الأفول والطلوع والانتقال والتقلب فقال : هذا لا يليق بالربوبية لأنها صفات حدوث، ثم رقى النظر إلى القمر والشمس فرأى ذلك الحكم جارياً فيهما فحكم بأن وراءها مدبراً لها يتنزه عن الانتقال والغيبة والأفول فقال :
٧٧ ( ) إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض ( ) ٧
[ الأنعام : ٧٩ ] وخص عليه السلام ذكر هذين لحملهما أجرام النور وسببيتهما في وجود الظلمة، ثم تأمل هذا النظر منه عليه السلام وكيف خص بالاعتبار أشرف الموجودين وأعلاهما، فكان في ذلك وجهان من الحكمة : أحدهما علو النظر ونفوذ البصيرة في اعتبار الأشرف الذي إذا بان منه الأمر فهو فيما سواه أبين، فجمع بين قرب التناول وعلو التهدي، والوجه الثاني التناسب بين حال الناظر والمنظور فيه والتناول والجري على الفطرة العلية ( وهو من قبيل أخذ نبينا ( ﷺ ) اللبن حين عرض عليه اللبن والخمر فاختار اللبن، فقيل له : اخترت الفطرة فكان قد قيل : هذا النظر والاعتبار بالهام، لا نظر من أخلد إلى الأرض فعمد الضياء والظلام، وينبغي أن يعتمد في قصة إبراهيم عليه السلام في هذا الاعتبار أنه ( ﷺ ) في قوله :( هذا ربي ( إنما قصد قطع حجة من عبد شيئاً من ذلك إذ كان دين قومه، فبسط لهم الاعتبار والدلالة، وأخذ يعرض ما قد تنزه قدرُه عن الميل إليه، فهو كما يقول