صفحة رقم ٦١٥
الصلاة والسلام لم يرسل إلى الملائكة، وفي الباب الخامس عشر بانفكاكهم من شرعه، قال : وفي تفسير الإمام الرازي والبرهان النسفي حكاية الإجماع في تفسر الآية الثانية - أي
٧٧ ( ) ليكون للعالمين نذيراً ( ) ٧
[ الفرقان : ١ ] أنه لم يكن رسولاً إليهم - انتهى.
وهو شهادة نفي كما ترى، لا ينهض بما ذكرته من النصوص على أن الحليمي لم يقل بذلك إلا لقوله بأن لملائكة أفضل من الأنبياء - كما نقله عنه الإمام فخر الدين في كتاب الأربعين والشيخ سعد الدين التفتازاني في شرح المقاصد وغيرهما، ولم يوافقه على ذلك أحد من أهل السنة إلا القاضي أبو بكر الباقلاني، فكما لم يوافق على الأصل لا يوافق على الفرع، وأما البيهقي فإنما نقله عن الحليمي وسكوته عليه لا يوجب القطع برضاه، قال الزركشي في شرح جمع الجوامع : وهي مسألة وقع النزاع فيها بين فقهاء مصر مع فاضل درس عندهم وقال لهم : الملائكة ما دخلت في دعوته، فقاموا عليه، وقد ذكر الإمام فخر الدين في تفسير سورة الفرقان الدخول محتجاً بقوله تعالى ) ليكون للعالمين نذيراً ( : والملائكة داخلون في هذا العموم - انتهى.
وهذا يقدح فيما نقل عنه من نقل الإجماع، وعلى تقدير صحته ففيه أمور، أما أولاً فالإجماع لا يرجع إلا إلى أهل الاطلاع على المنقولات من حفاظ الآثار وأقاويل السلف فيه، وأما ثانياً فإنه نقل يحتمل التصحيح والتضعيف، لأنه بطرقه احتمال أن يكون نقل عمن لا يعتد به، أو يكون أخذه عن أحد مذاكرة وأحسن الظن به، أو حصل له سهو، ونحو ذلك، فلا وثوق غلا بعد معرفة المنقول عنه وسند النقل والاعتضاد بما يوجب الثقة ليقاوم هذه الظواهر الكثيرة، وأما ثالثاً فإنه سيأتي عن الإمام تقي الدين السبكي أن بعض المفسرين قال بالإرسال إلى الملائكة، وقا لالإمام ولي الدين أبو زرعة أحمد ابن الحافظ زين الدين العراقي في شرحه لجمع الجوامع : وأما كونه مبعوثاً إلى الخلق أجمعين فالمراد المكلف منهم، وهذا يتناول الإنس والجن والملائكة، فأما الأولان فبالإجماع، وأما الملائكة فمحل خلاف فأين الإجماع هذا على تقدير صحة هذا النقل وأنى لمدعي ذلك به فإني راجعت تفسير الإمام للآية المذكورة فلم أجد فيه نقل الإجماع، وإنما قال : ثم قالوا : هذه الآية تدل على أحكام : الأول أن العالم كل ما سوى الله، فيتناول جميع المكلفين من الجن والإنس والملائكة، لكنا نبئنا أنه عليه السلام لم يكن رسولاً إلى الملائكة، فوجب أن ينفى كونه رسولاً إلى الجن والإنس جميعاً، وبطل قول من قال : إنه كان رسولاً إلى البعض دون البعض، الثاني أن لفظ ) العالمين ( يتناول جميع المخلوقات، فتدل الآية على أنه رسول إلى المكلفين إلى يوم القيامة، فوجب أن يكون خاتم الأنبياء والرسل - هذا لفظه في أكثر النسخ، وفي بعضها : لكنا أجمعنا - بدل : نبئنا - وهي غير


الصفحة التالية
Icon