صفحة رقم ٦٢٨
ههنا حتى ألقى أبا الحكم، فإن غَلِب محمد رجعتم سالمين، وإن غَلَب محمد فإن قومكم لن يصنعوا بكم شيئاً، فيومئذ سمي ( الأخنس )، وكان اسمه ( أبي )، فالتقى الأخنس وأبو جهل، فخلا الأخنس به فقال : يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب، فإنه ليس ههنا من قريش أحد غيري وغيرك يسمع كلامنا، فقال أبو جهل : ويحك والله إن محمداً لصادق، وما كذب محمد قط، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والحجابة والسقاية والنبوة فماذا يكون لسائر قريش وعن ناجية قال قال أبو جهل للنبي ( ﷺ ) : ما نتهمك ولكن نتهم الذي جئت به، فأنزل الله الآية وعلى ذلك يدل قوله تعالى :( ولكن (، وقال :( الظالمين ( في موضع الضمير تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف، اي الذين كانوا في مثل الظلام ) بآيات ) أي بسبب آيات ) الله ) أي الملك الأكبر الذي له الكمال كله ) يجحدون ( قال أبو علي الفارسي في أول كتاب الحجة : أي يجحدون ما عرفوه من صدقك وأمانتك، وعلق باء الجر بالظالمين كما هي في قوله
٧٧ ( ) وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها ( ) ٧
[ الإسراء : ٥٩ ] ونحوها، وقال ابن القطاع في كتاب الأفعال : جحد الشيء جحداً وجحوداً : أنكره وهو عالم به.
هذا قصدهم غير أنه لا طريق لهم إلا إنكار الآيات إلا بالتكذيب، أو ما يؤول إليه، وأنت تعلم أن الذي أرسلك على كل شيء قدير، وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير، فاقتضت قدرته وقهره وانتصاره لأهل ولايته وجبره أن يحل بأعدائهم سطوة تجل عن الوصف، واقتضت حكمته عدم المعاجلة بها تشريفاً لك وتكثيراً لأمتك.
ولما سلاه بوعده النصرة المسببة عن علم المرسل القادر، وبأن تكذيبهم إنما هو له سبحانه، وهو مع ذلك يصبر عليهم ويحلم عنهم، بل ويحسن إليهم بالرزق والمنافع، زاده أن ذلك سنة في إخوانه من الرسل فقال :( ولقد ( ولما كان المنكي هو التكذي لا كونه من معين، بني للمفعول قوله :( كذبت رسل (.
ولما كان تكذيبهم لم يستغرق الزمان، وكان الاشتراك في شيء يهوّنه، وكلما قرب الزمان كان أجدر بذلك أدخل الجار فقال :( من قبلك ( بأن جحد قومهم ما يعرفون من صدقهم وأمانتهم كما فعل بك ) فصبروا ) أي فتسبب عن تكذيب قومهم لهم أنهم صبروا ) على ما كذبوا وأوذوا ) أي فصبروا أيضاً على ما أوذوا، ثم أشار إلى


الصفحة التالية
Icon