صفحة رقم ٦٣٤
) يجعله ( وأشار إلى تمكينه بأداة الاستعلاء فقال :( على صراط مستقيم ( بأن يخلق الهداية في قلبه - ومن يهد الله فما له من مضل ومن يضلل الله فما له من هاد، مع أن الكل عباده وخلقه، متقلبون في نعمه، غادون رائحون في بره وكرمه - إن في ذلك على وحدانيته وتمام قدرته لآيات بينات لقوم يعقلون.
ولما كانت هذه الآية - بما فيها من التصريح بالتكذيب - شديدة الاعتناق لقوله
٧٧ ( ) ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً ( ) ٧
[ الأنعام : ٢١، ٣٩ ] وقوله
٧٧ ( ) كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباؤا ( ) ٧
[ الأنعام : ٥ ] الآيتين رجع بالذي بعدها إلى فذلكة التفاصيل الماضية وواسطة عقدها وفريدة درها، وهو التوحيد الذي أبانته الأدلة قبل الآيتين، فقال دالاً على اعتقادهم القدرة التي استلزم نعتُهم بطلب الآية نفيها، واعتقادهم للتوحيد في الجملة وهم يكذبون به، بياناً لأنهم في الظلماتمقهورون بيد المشيئة لعدم تحاشيهم من التناقض معجباً منهم :( قل أرءيتكم ) أي أخبروني يا من كذب بالآيات والقدرة عناداً وشهد أن مع الله آلهة أخرى، وعدل بالله الذي يعلم السر والجهر، وهو مع من يدعوه في كل سماء وكل أرض بعنايته ونصره.
ولما كانت حقيقة ) أرءيتكم ( : هل رأيتم أنفسكم، وكان هذا لكونه سؤالاً عن معلوم لا يجهله أحد - مشيراً إلى أن السؤال عن غيره مما قد يخفى من أحوال النفس، كان كأنه قيل : عن أيّ أحوال نفوسنا نُسأل ؟ فقيل تنبيهاً لهم على حالة تلزمهم بالتوحيد أو العناد الذي يصير في العلم به كالسؤال عن رؤية النفس سواء :( إن أتاكم ) أي قبل مجيء الساعة كما آتى من قبلكم ) عذاب الله ) أي المستجمع لمجامع العظمة، فلا يقدر أحد على كشف ما يأتي به ) أو أتتكم الساعة ) أي القيامة بما فيها من الأهوال.
ولما عجب منهم ما مضى - كما مضى، قال مجيباً للشرط موبخاً لهم منكراً عليهم عدم استمرارهم على دعائه ولزوم سؤاله وندائه، ويجوز أن يكون جواب الشرط محذوفاً تقديره : من تدعون ؟ ثم زادهم توبيخاً وتبكيتاً بقوله :( أغير الله ) أي الملك الذي له العظمة كلها ) تدعون ) أي لشدة من تلك الشدائد، ولا تدعون الله مع ذلك الغير ) إن كنتم صادقين ) أي في أن غير الله يغني شيئاً حى يستحق الإلهية، وجواب الشرط محذوف تقديره : فادعوا ذلك الغير، وهذه حجة لا يسعهم معها غيرُ التسليم، فإن عادتهم كانت مستمرة أنهم إذا اشتد الأمر وضاق الخناق لا يدعون غير الله ولا يوجهون الهمم إلا إليه، فإن سلكوا سبيل الصدق الذي له ينتحلون وبه يتفاخرون فقالوا : لا ندعو غيره، فقد لزمتهم الحجة في أنه لا يعدل به شيء ولا شريك له، وإن عاندوا نطق لسان الحال أنهم على محض الضلال، وإن سكتوا أثبت عليك الخطاب، وهي مع