صفحة رقم ٦٥٠
ولما تعرف بأفعاله وشؤونه حتى اتضحت وحدانيته وثبتت فردانيته، ذكرهم أحوالهم في إقرار توحيده وقت الشدائد والرجوع عن ذلك عند الإنجاء منها، فكانوا كمن طلب من شخص شيئاً وأكد له الميثاق على الشكر، فلما أحسن إليه بإعطائه سؤله نقض عهده وبالغ في الكفر، وذلك عندهم في غاية من القبائح لا توصف فقال :( قل ) أي لهؤلاء الذين يدعون محاسن الأعمال ) من ينجيكم ) أي كثيراً وعظيماً ) من ظلمات البر والبحر ) أي حيث لا هداية لكم بنجم ولا جبل ولا غيرهما، أإو عبر بالظلمات عن الكروب التي بلغت شدتها إلى أن صاحبها يكون كأنه في أشد ظلام، فهو بحيث إنه لا يهتدي فيها إلى وجه حيلة بنوع وسيلة ) تدعونه ) أي على وجه الإخلاص له والتوحيد والإعراض عن كل شرك وشريك لزوال الحظوظ عند إحاطة الرعب واستيلائه على مجامع القلب، فلا يقى إلا الفطرة السليمة ؛ قال الإمام عبد الحق الإشبيلي في كتابه الواعي :( تضرعاً ) أي مظهرين الضراعة، وهي شدة الفقر، وحقيقته الخشوع ) و ( قوله :( خفية ) أي تخفون في أنفسكم مثل ما تظهرون ؛ قال شمر : يقال : ضرع له وهو ضارع بيّن الضراعة، وهؤلاء قوم ضرع، أي أذلاء، وهم ضرعة أي متضرعون، والتضرع إلى الله : التخشع إليه والتذلل، وإذا كان الرجل مختل الجسم قلت : إنه لضارع الجسم بيّن الضروع، وفي الذل بين الضراعة - انتهى.
ولما بين وصفهم وقت الدعاء، بين قولهم إذ ذاك فقال :( لئن أنجانا من هذه ( فأكدوا وخصوا وبينوا غاية البيان ) لنكونن من الشاكرين ) أي العريقين في الشكر ؛ ولما كانوا مقرين بأن فاعل ذلك هو الله، ولكنهم يكفرون نعمته، عدوا منكرين فأمره بالجواب غي رمنتظر لجوابهم بقوله :( قل الله ) أي الذي له جميع العظمة ) ينجيكم منها ) أي من تلك الشدة ) ومن كل كرب ) أي وقعتم فيه، وما أعظم موقع قولُه :( ثم أنتم ( مع التزام الإخلاص في وقت الكرب ومع التزام الشكر تشركون ( مشيراً إلى استبعاد نقضهم بأداة التراخي مع ما فيه من الجِناس لما كان ينبغي لهم من أنهم يشكرون.
ولما كانوا بإشراكهم كأنهم يظنون أن الشدة زالت عنهم زوالاً لا يعوده، وكان اللائق بهم دوام التذلل إما وفاء وإما خوفاً، أخبرهم ترهيباً لهم من سطوته وتحذيراً من بالغ قدرته أن شدتهم تلك التي أذلتهم لم تزل في الحقيقة، فإن قدرة الملك عليها حالة الرخاء كقدرته عليها في وقتها سواء، فإنه خالق الحالتين وأسبابهما وما فيهما، ولكنهم عمي الأبصار أجلاف الطبائع فقال :( قل هو ) أي وحده ) القادر ( ولم يصغه صيغة


الصفحة التالية
Icon