صفحة رقم ٦٥٧
ولما قرر أنه لا يتخلف شيء عن أمره، علله فقال :( قوله الحق ) أي لا قول غيره، لأن أكثر قول غيره باطل، لأنه يقول شيئاً فلا يكون ما أراد ؛ ولما كان في مقام الترهيب من سطوته، قال مكرراً لقوله ( وهو الذي إليه تحشرون ) :( وله ) أي وحده بحسب الظاهر والباطن ) الملك يوم ( ولما كان المقصود تعظيم النفخة، بني للمفعول قوله :( ينفخ في الصور ( لانقطاع العلائق بين الخلائق، لا كما ترون في هذه الدار من تواصل الأسباب، وقولُه - :( عالم الغيب ( وهو ما غاب عن كل ما سواه سبحانه ) والشهادة ( وهو ما صار بحيث يطلع عليه الخلق - مع كونه علة لما قبله من تمام القدرة كما سيأتي إن شاء الله تعالى في طه من تمام الترهيب، أي أنه لا يخفى عليه شيء من أحوالكم، فاحذروا جزاءه يوم تنقطع الأسباب، ويذهب التعاذد والتعاون، وهو على عادته سبحانه في أنه ما ذكر أحوال البعث إلاّ قرر فيه أصلين : القدرة على جميع الممكنات، والعلم بجميع المعلومات الكليات والجزئيات، لأنه لا يقدر على البعث إلا من جمع الوصفين ) وهو ) أي وحده ) الحكيم ) أي التام الحكمة، فلا يضع شيئاً في غير محله ولا على غير أحكام، فلا معقب لأمره، فلا بد من البعث ) الخبير ( بجميع الموارد والمصادر، فلا خفاء لشيء من أفعال أحد من الخلق عليه في ظاهر ولا باطن ليهملهم عن الحساب.
ولما كان مضمون هذه الآيات مضمون الآيات الثلاث المفتتح بها السورة الهادمة لمذهب الثنوية، وهم أهل فارس قوم إبراهيم عليه السلام، وكان إبراهيم عليه السلام يعرف بفضله جميع الطوائف، لأن أكثرهم من نسله كاليهود والنصارى والمشركين من العرب، والمسلمون لما يعلمون من إخلاصه لله تعالى وانتصابه لمحاجة من أشرك به واحتمال الأذى فيه سبحانه، تلاها بمحاجته لهم بما أبطل مذهبهم وأدحض حججهم فقال :( وإذ ) أي اذكر ذلك المتقدم كله لهم في الدلائل على اختصاصنا بالخلق وتمام القدرة، ما أعظمه وما أجله وأضخمه وتفكر في عجائبه وتدبر في دقائقه وغرائبه تجد ما لا يقدر على مثله إلا الله، واذكر إذ ) قال إبراهيم ) أي اذكر قوله، وحكمة التذكير بوقته التنبيهُ على أن هذا لم يزل ثابتاً مقرراً على ألسنة جميع الأنبياء في جميع الدهور، وكان في هذه المحاجة التصريح بما لوح إليه أول هذه السورة من إبطال هذا المذهب، وانعطف هذا على ذاك أيّ انعطاف وصار كأنه قيل : ثم الذين كفروا بربهم يعدلون الأصنام والنجوم والنور والظلمة، فنبههم يا رسول الله على ذلك بأنه لا متصرف غيرنا، اذكر لهم أني أنا الذي خلقتهم وخلقت جميع ما يشاهدون من الجواهر والأعراض، فإن تنبهوا فهو حظهم، وإلا فاذكر لهم محاجة خليلنا إبراهيم عليه السلام إذ قال ) لأبيه ( ثم


الصفحة التالية
Icon