صفحة رقم ٩٨
ولما كان المقام لزيادة العظمة أظهر ولم يضمر لئلا يفهم الإضمار خصوصاً من جهة ما فقال :( والله ) أي والحال أنه الذي له هذا الاسم الشريف فلم يشاركه فيه أحد وذلك عند مجيء الدجال بجيش اليهود فيكون أنصاره الذين سألهم ربه هذه الأمة تشريفاً لهم، ثم ين ما فعله بهم من القضاء الذي هو على صورة المكر في كونه أذى يخفى على المقصود به بأنه رفعه إليه وشبه ذلك عليهم حتى ظنوا أنهم صلبوه وإنما صلبوه أحدهم، ويقال : إنه الذي دلهم، وأما هو عليه الصلاة والسلام فصانه عنده بعد رفعه إلى محل أوليائه وموطن قدسه لينزله في آخر الزمان لاستئصالهم بعد أن ضرب عليهم الذلة بعد قصدهم له بالأذى الذى طلبوا به العز إلى آخر الدهر فكان تدميرهم في تدبيرهم، وذلك أخفى الكيد فقال تعالى مخبراً عن ذلك على وجه مبشر له بأنه عاصمه من أن يقتلوه ومميته حتف أنفه :( إذ ) أي مكر حين ) قال الله ) أي ما له من التفرد بصفات الكمال ) ياعيسى إني متوفيك ( وعبر عن ذلك بطريق الكناية الإيمائية فإن عصمته من قتل الكفار ملزومة للموت حتف الأنف، وأما قول الزمخشري : أي مستوفى أجلك ومعناه : إني عاصمك من أن يقتلك الكفار، ومؤخرك إلى أجل كتبته لك، ومميتك حتف أنفك لا قتلاً بأيديهم - ليكون كناية تلويحية عن العصمة من القتل لأنها ملزومة لتأخيره إلى الأجل المكتوب والتأخير ملزوم للموت حتف الأنف - فلا ينبغي الاغترار به لأنه مبني على مذهب الاعتزال من أن القاتل قطع أجل المقتول المكتوب، وكأن القاضي البيضاوي لم يتفطن له فترجم هذه العبارة بما يؤديها ؛ ويجوز أن يكون معنى متوفيك : آخذك إليّ من غير أن يصلوا منك إلى محجم دم ولا ما فوقه من عضو ولا نفس فلا تخش مكرهم.
قال في القاموس : أوفى فلاناً حقه : أعطاه وافياً، كوفّاهد ووافاه فاستوفاه وتوفاه.
ثم زاد سبحانه وتعالى في بشارته بالرفعة إلى محل كرامته وموطن ملائكته ومعدن النزاهة عن الأدناس فقال :( ورافعك ( وزاد إعظام ذلك بقوله :( إليّ ومطهرك من الذين كفروا ( ولما كان لذوي الهمم العوال، أشد التفات إلى ما يكون عليه خلائفهم بعدهم من الأحوال، بشره سبحانه وتعالى في ذلك بما يسره فقال :( وجاعل الذين اتبعوك ) أي ولو بالاسم ) فوق الذين كفروا ) أي ستروا ما يعرفون من نبوتك بما رأوا من الآيات التي أتيت بها مطابقة لما عندهم من البشائر بك ) إلى يوم القيامة ( وكذا كان، لم يزل من اتسم بالنصرانية حقاً أو باطلاً فوق اليهود، ولا يزالون كذلك إلى أن يعدموا فلا يبقى منهم أحد.


الصفحة التالية
Icon