صفحة رقم ٩٩
ولما كان البعث عاماً دل عليه بالالتفات إلى الخطاب فقال تكميلاً لما بشر به من النصرة :( ثم إليّ مرجعكم ) أي المؤمن والكافر في الآخرة ) فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون ( ثم فصل له الحكم فقال مرهباً لمخالفيه مرغباً لموافقيه، وقدم المخالفين لأن السياق لبيان إذلالهم :( فإما الذين كفروا ) أي من الطائفتين ) فأعذبهم عذاباً شديداً في الدنيا ( بالذل والهوان والقتل والأسر ) والآخرة ( بالخزي الدائم ) وأما الذين آمنوا وعموا الصالحات ( لأن هذه ترجمة الذين اتبعوه حق الاتباع.
ولما كان تمام الاعتناء بالأولياء متضمناً لغاية القهر للأعداء أبدى في مظهر العظمة قوله تعظيماً لهم وتحقيراً لأعدائهم :( فيوفيهم أجورهم ) أي نحبهم من غير أ، نبخسهم ) والله ( الذي له الكمال كله ) لا يحب الظالمين ( من كانوا، أي لا يفعل معهم فعل المحب، فهو يحبط أعمالهم لبنائها على غير أساس الإيمان، فالآية من الاحتباك، ونظمها على الأصل : فنوفيهم لأنا نحبهم والله يحب المؤمنين، والذين ظلموا نحبط أعمالهم لأنا لا نحبهم والله لا يحب الظالمين ؛ فتوفية الأجر أولاً ينفيها ثانياً، وإثبات الكراهة ثانياً يثبت ضدها أولاً، وحقيقة الحال أنه أثبت للمؤمنين لازم المحبة المراد منها في حق الله سبحانه وتعالى لأنه أسّر، ولازم المراد من عدمها في الظالمين لأنه أنكأ.
ولما أتم سبحانه وتعالى ما أراد من أمر عيسى عليه الصلاة والسلام من ابتداء تكوينه إلى انتهاء رفعه وما كان بعده من أمر أتباعه مشيراً بذلك إلى ما فيه من بدائع الحكم وخزائن العلوم واللطائف المتنزلة على مقادير الهمم على أتقن وجه وأحكمه وأتمه وأخلصه وأسلمه، وختمه بالتفنير من الظلم، وكان الظلم وضع الشيء في غير موضعه، وكان هذا القرآن العظيم قد حاز من حسن الترتيب ورصانة لانظم بوضع كل شيء منه لفظاً ومعنى في محله الأليق به المحل الأعلى، لا سيما هذه الآيات التي أتت بالتفصيل من أمر عيسى عليه الصلاة والسلام، فلم تدع فيه شكاً ولا أبقت شبهة ولا لبساً، أبتع ما تقدم من تفصيل الآيات البينات قوله منبهاً على عظمة هذه الآيات الشاهدات الآتي بها ( ﷺ ) بأوضح الصدق بإعجازها في نظمها وفي العلم بمضامينها من غير معلم من البشر كما تقدم نحو ذلك في
٧٧ ( ) ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك ( ) ٧
) هود : ٤٩ ] ) ذلك ) أي النبأ العظيم والأمر الجسيم الذي لم تكن تعلم شيئاً منه ولا علمه من شبان قومك ) نتلوه ) أي نتابع قصة بما لنا من العظمة ) عليك ( وأنت أعظم الخلق


الصفحة التالية
Icon