صفحة رقم ١١
كرامته ومعدن سعادته وإسكانه هو بذلك المحل الأعلى والموطن الأسنى مأذوناً له في كل ما فيه إلا شجرة واحدة، فلما خالف الأمر ازالةعنه وأخراجه منه ؛ وفي ذلك تحذير لأهل المكنة من إزالة المنة في استدارة النعمة وإحلال النقمة فقال :( ولقد خلقناكم ) أي بما لنا من صفات العظمة ) ثم صورناكم ) أي قدرنا خلقكم ثم تصويركم بأن جعلنا فيكم قابلية قريبة من ذلك بتخصيص كل جزء من المادة بمقدار المعين بتخمير طينة آدم عليه السلام على حالة تقبل ذلك كما يهيأ التراب بتخمير بإنزال المطر لأن يكون منه شجرة، وقد تكون تلك الشجرة مهيأة لقبول صورة الثمرة وقد لا تكون كما قال تعالى
٧٧ ( ) ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظماً فكسونا العظم لحماً ثم أنشأناه خلقاً اخر ( ) ٧
[ المؤمنون : ١٢ - ١٤ ] وقال النبي ( ﷺ ) كما في الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه :( ظغن احدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً ثم يكون علقه مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ) وعنه أيضاً رضى الله عنه عند مسلم قال : سمعت رسول الله ( ﷺ ) يقول :( إذا مر بالنطفة اثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكاً فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظمها، وثم قال : يا رب أذكر أم أنثى ؟ فيقضى ربك ما شاء ويكتب الملك ) الحديث فظاهر هذا الحديث مخالف اللفظ الذي قبله وللآية، فيحمل على أن معنى صورها : هيأها في مدة الأربعين الثانية لقبول الصورة تهيئة قريبة من الفعل، وسهل أولها بالتخمير على هيئةمخصوصة بخلاف ما قبل ذلك، فإنها كانت نطفة فكانت بعيدة عن قبول الصورة، ولذلك اختلفوا في احترامها وهل يباح إفسادها والتسبب في إخراجها ومعنى ( خلق ) قدر أي جعل لكل شيء من ذلك حداً لا يتجاوزه في الجملة والدليل على هذا المجاز شكة في كونها ذكراً أو انثى من جملة الصورة وبهذا تلتئم هذه الاية مع قوله تعالى
٧٧ ( ) إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعواله ساجدين ( ) ٧
[ ص : ٧١ ] فهذا خلق بالفعل، والذي في هذه السورة بإيداعه القوة المقربة منه، والمراد من الآية التذكير بالنعم استعطافاً إلى المؤالفة وتفظيغاً بحال المخالفة، أي


الصفحة التالية
Icon