صفحة رقم ١٢
خسروا أنفسهم والحال أنا أنعمنا عليهم بنعمة التمكن بعد أن أشأناهم على الصورة المذكورة بعد أت كانوا عدماً واسجدنا ملائكتنا لأبيهم وطردنا من تكبر عليه طرداً لا طرد مثله وابعدناه عن محل قدسنا بعداً لا قرب معه، وأسكنا أباهم الجنة دارحمتنا وقربنا فقال تعال مترجماً عن ذلك :( ثم قلنا ) أي على ما لنا من الاختصاص بالعظمة ) للملائكة ) أي الموجودينفي ذلك الوقت من أهل السماوات والرض كلهم، بما دلت عليه ( ال ) سواء قلنا : إنها للاستغراق أو الجنس ) اسجدوالآدم ) أي بعد كونه رجلاً قائماً سوياً روح كما هو معروف من التسمية ؛ ثم سبب عن هذا الأمر قوله : لإخراجه ممن سجد أنه لم يسجد صرح به فقال :( لم يكن من الساجدين ) أي لآدم
الأعراف :( ١٢ - ١٦ ) قال ما منعك.....
) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ( ( )
ولما كان مخالف الملك في محل العقاب، تشوف السامع إلى خبره فاجيب بقوله :( قال ( أب إبليس إنكاراً عليه توبيخاً له استخراجاً لكفره الذي كان يخفيه بما يبدي من جوابه ليعلم الخلق سبب طرده ) ما منعك ( ولما كانت العبارة قد صرحت بعدم سجوده فكان المعنى لإبليس بإدخال ( لا ) في قوله :( ألا تسجد ( أتى بها لتنفيد التأكد بالدلالة على اللوم على الامتناع من الفعل والإقدام على الترك، فيكون كانه قيل : ما منعك من السجود وحملك على تركه ) إذ ( اي حين ) أمرتك ) أي حين حضر الوقت الذي يكون فيه أداء المأمور به ) قال ) أي إبليس ناساً ربه سبحانه إلى الجور أو عدم العلم بالحق ) أنا خير ( اي فلا يليق لي السجود لمن هو دوني ولا أمري بذلك لأنه مناف للحكمة ؛ ثم بين وجه الخيرية التي تصورها بسوء فهمه أو بما قاده إليه سوء طبعة بقوله :( وخلقته من طين ) أي عو أغلب أجزائه وهو كدر مظلم سافل مغلوب، وقد غلط غلطاً فاحشاً فإن الإيجاد خير من الإعدام بلا نزاع، والنار سبب الإعدام والمحق لما خالطته والطين سبب النماء والتربية لما خالطة، هذا لو كان الأمر في الفضل باعتبار العناصر والمبادئ وليس كذلك، بل هو باعتبار الغايات.
ولما كان هذا امراً ظاهراً وكان مجرد التكبر على الله كفراً على أيّ وجه كانن، أعرض عن جوابه بغير الطرد الذي معناه نزوله المنزلة الذي موضع ما طلب من علوها