صفحة رقم ١٥
للمجاوزة وصل خطى القدام والخلف ليكون إتيانه مستوعباً لجميع الجهة المحيطة، وافهمت الجهات الأربع قدحه وتلبيسيه فيما يعلومنه حق علمه وما يعلمون شيئاً منه وما هو مشتبه عليهم اشتباهاً قليلاً أو كثيراً، وهم من ترك ذكره العلى أنه لا قدرة له على الإتيان من لئلا يلتبس امره بالملائكة، قد ذكر ذلك بعض الآثار كما ذكره في ترجمة ورقة بن نوفل رضى الله عنه.
ولما عزم اللعين على هذا عزماً صادقاً ورأى أسبابه ميسرة من الإنظار ونحوه ظن أنه بما راى لهم من الشهوات والخطوط يظفر بأكثر حاجته، فقال عاطفاً على تقديره : فلأغوينهم وليتبعنني :( ولا تجد اكثرهم ( كما هي عادة الكثر في الخبث ) شاكرين ( فأريد به الشفاء فأغرق في الحسد، ولو أريد بالشقي الخير لاستبدال بالحسد الغبطة فطلب أن يرتقي هو إلى درجاتهم العالية بالبكاء والنم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبذل النصيحة خضوعاً لمقام الربويية ودلاً لعظيم شأنه ولما كان كأنه قيل ماذا قال له ؟ قيل :( قال ( في جواب ما ذكر لنفسه في هذا السياق من القوة والاقتدار وأبان عنه نت الكبر والافتخار مادل على أنه من أهل الصغار، لا يقدر على شيء إلا بإقرار العزيز الجبار، مصرحاً بما أريد من الهبوط الذي ربما حمل على النزول من موضع من الجنة عال إلى مكانه منها أحط منه ) اخرج منها ) أي الجنة ) مذءوماً ( اي محقوراً محزناً بما تفعل، قال القطاع ذامت الرجل خزيته وقال ابن فارس ذامته أي حقرته ) مدحوراً ) أي مبعداً مطروداً عن كل ما لا أريد ولما علم بعض حالة تشوفت النفس إلى حال من تبعه فقال مقسماً مؤكاً بما يحق له من القدرة التامة والعظمة الكاملة :( لمن تبعك منهم ) أي منك ومن قبيلك ومنهم ) أجمعين ) أي لا يفوتني منكم أحد فلم يزل من فعل ذلك منكم على أذى نفسه ولا أبالي أنا بشيء. ولما أوجب له ما ذكر من الشقاوة تماديه في الحسد وكثرة كلامه في محسوده التفت إلى محسوده الذي لم يتكلم فيه كلمة واحدة بل اشتغل بنفسه في البكاء على ذنبه واكتفى بفعل ربه بما ينجيه من حبائل مكره التي نصبها بما ذكر ليكون ذلك على سعادته فقال عطفاً على ) ويآدم اسكن ( ولما كان المراد بهذا الأمر هو نفسه لا التجوز به بعض من يلابسه أكد ضميره لتصحيح العطف ورفع التجوز فقيل ) أنت وزوجك (


الصفحة التالية
Icon