صفحة رقم ٢١٦
عليها، وهذه الآيات - مع كونها معلمة بما لهم في الدنيا وما لهم في الآخرة من أن آخر أمرهم في الدنيا الغلب كما كشف عنه الزمان علماً من أعلام النبوة وفي الآخرة جهنم - هي مبينة لكذبهم في قولهم
٧٧ ( ) لو نشاء لقلنا مثل هذا ( ) ٧
[ الأنفال : ٣١ ] فإنهم لو كانوا صادقين في دعواهم لقالوا مثله ثم قالوا : لو كان هذا هو الحق لا غيره لما قلنا مثله، موضع قولهم
٧٧ ( ) إن كان هذا هو الحق ( ) ٧
[ الأنفال : ٣٢ ] إلى آخره، وأما آية المكاء والتصدية فكأنها تقول : هذا القرآن في أعلى درج البلاغة ولم تؤهلوا أنتم - مع ادعائكم السبق في البلاغة - لأن تعارضوا بشيء له أهليه لشيء من البلاغة، بل نزلتم إلى أصوات الحيوانات العجم حقيقة، فلا أجلى من هذا البيان على ما ادعيتم من الزور والبهتان، وأما آية الإنفاق فقائله : لو قدرتم في معارضته على إنفاق الأقوال لما عدلتم عنه إلى إنفاق الأموال المفضي إلى مقاساة الأهوال وفساد الأشباح ونفوق ما حوت من الأرواح المؤدي إلى الذل السرمد بالعذاب المؤبد ولما ذكر حشر الكافرون ذكر علته فقال معلقاً بيحشرون :( ليميز الله ) أي الذي له صفات الكمال بذلك الحشر ) الخبيث من الطيب ( اي إنما جعل للكفار دراً يتميز بها عدلاً في الكافرين وفضلاً عاى المؤمنين، فيجعل الطيب في مكان واسع حسن ) ويجعل الخبيث ( اي الفريقالمتصف بهذا الوصف ) بعضه على بعض ( والركم : جمع الشيء بعضه فوق بعض، فكأن قوله :( فيركمه جميعاً ( عطف تفسيره يؤكد الذي قلبه في إرادة الحقيقة مع إفهام شدة الاتصال حتى الكل كالشيء الواحد كالسحاب المركوم، والنتيجة قوله :( فيجعله في جهنم ) أي دار الضيق والغم والتهجم والهم ولما كان هذا أمراً لا فلاح معه، استأنف قوله جامعاً تصريحاً بالعموم :( أولئك ( اي البعداء البغضاء الذين أفهمهم اسم الجن في الخبيث ) هم الخاسرون ) أي خاصة لتناهي خسرانهم، لأنهم اشتروا بأموالهم إهلاك أنفسهم بذلك الحشر ولما بين ضلاهم في عبادتهم البدنية والمالية، وكان في كثير من العبارات السالفة القطع للذين كفروا بلفظ الماضي بالشفاء، كان ذلك موهباً لأن يراد من أوقع الكفر في الزمن الماضي وإن تاب، فيكون مؤيساً من التوبة فيكون موجباً للثبات على الكفر، قال تعالى متلطفاً بعباده مرشداً لهم إلى طريق الصواب مبيناً المخلص مما هم فيه من الوبال في جواب من كأنه قال : أما لهم من جبلة يتخلصون بها من الخسارة ) قل للذين ( اي لأجل الذين ) كفروا ( أني أقبل توبة من تاب منهم بمجرد انتهائه عن حاله ) إن ينتهوا ) أي يتجدد لهم وقتاً ما الانتهاء عن مغالبتهم بالانتهاء عن كفرهم فيذلوا الله


الصفحة التالية
Icon