صفحة رقم ٢٣١
ولما كان كأنه قيل : فما له يمهلهم ولا يعالجهم بالأخذ قبل النكاية في أوليائه وأهل وده وأصفيائه ؟ قال :( ذلك ) أي الأخذ على هذه الحالة ) بأن الله ) أي بسبب أنهم غيروا ما في أنفسهم، وقد كان له سبحانه أن ياخذهم قبل أن يغيروا لعلمه بما في ضمائرهم الكمال بأنه ) لم يك ( هكذا كان الأصل، ولكن حذف اختصار تقريباً لبيان تعميم العلة وإبعاد للسامع من مثل ذلك، وحذف نون ( يكن ) إرشاد إلى قلت أو جلت، عظيم المنفعة، لأن من خالفها جدير بتعجيل الانتقام ) مغيراً نعمة ) أي قلت أو جلت، وبين أنه لا نعمة على أحد إلا منه فقال :( أنعمها على قوم ) أي من أيّ طائفة كانوا ) حتى يغيروا ) أي يبدلوا ) ما ( يعتقدونه ) مغيراً نعمه ) أي قلت أو جلت، حفي عنهم، يظنون اتصافهم بضده مما هو ظاهر لهم اتصافاً غريزياً ) وأنّ ) أي وبسبب أن ) الله ) أي الذي له الكمال كله ) سميع ) أي لما يكذبون به الرسل ولأقوالهم : إن ما يظهرون وصفهم الحقيقي ) عليم ) أي بما تكّن ضمائرهم من غيره وإن جهلوه هم فيبتليهم ببلاء يظهر به ذلك المكنون ويبرز به كل سر مصون، فإذا تعلق به العلم ظاهراً علق به الحكم قاهراً لتمام قيام الحجة، ولتمام علمه بحالهم أمهلهم، وإنما يستعجل من يخاف ان تخيب فراسته أو يتغير علمه، وأما الذي علمه بالظواهر والضمائر على حد سواء فالحالتان عنده سيان، فهو يمهل لإتمام الحكمة ولا يهمل من استحق النقمة، وذلك التغيير الذي اظهره البلاء هو التكذيب بالحق عناداً والبعد عما كانوا يدعونه من العدل والمشي على مهاهيج العقل والاستحياء من العناد، والتنزه من طرق الفساد، هكذا كانت كل أمة أرسلت إليها الرسل تدعي وما عندهامن خلاف ذلك مستور في ضمائرها مكنون في سرائرها، لا تعلمه كما تشاهد أكثر من تعاشره، يظن في نفسه ما ليس فيها، وعند الامتحان يكذبه العيان، فلما جاءتهم الرسل وأوضحوا لهم الأمر إيضاحاً ليس معه، لبس فكذبوهم، غيروا ما كان في نفوسهم مما كانوا يزعمون ؛ ثم كرر قوله :( كدأب آل فرعون ) أي فرعون وقومه فإنهم اتباعه فلا يخيل انهم يفعلون شيئاً إلا وهو قائدهم فيه ) والذين من قبلهم ( - لدقيقة، وهي أنه قدم تقدم أنه ما من أمة إلا ابتليت بالضراء والسراء، فالأولى ينظر إليها مقام الإلهية الناظر إلى العظمة والكبرياء والقهر والانتقام، والثانية ثمرة مقام البربوبية الناشئ عنه التودد والرحمة والرأفه والإكرام، لذا عبر في الأولى باسم الذات الجامع لجميع الصفات الذي لفظه - عند من يقول باشتقاقه - موضع لمعنى الإلهية إشارة إلى أنهم أعرضوا في حال الضراء عن التصديق وعاملوا بالتجلد