صفحة رقم ٢٣٢
والإصرار، ولذا عبر في هذه الثانية باسم الرب فقال :( كذبوا ) أي عناداً زيادة على تغطية ما دل عليه العقل بالتكذيب بالنقل ) بآيات ربهم ( فأشار بذلك إلى بطرهم بالنعم وتكذيبهم أنها بسبب دعاء الرسل ولما أشار بالتعبير به إلى أنه غرهم معاملته بالعطف والإحسان، قال :( فأهلكناهم ) أي جميعاً ) بذنوبهم واغرقنا ( فاتى بنون العظمه إشارة إلى أنه أتاهم بما انساهم ذلك البر ) آل فرعون وإشارة إلى أنهم نسوا أن الرب كما أنه يتصف بالرحمة فلا بد أن يتصف بالعظمة والنقمة وإلا لم تتم ربوبيته، وهذا واضح مما تقدم في الأعراف عن التوراة في شرح
٧٧ ( ) فأرسلنا عليهم الطوفان ( ) ٧
[ الأعراف : ١٣٣ ] - إلى آخرها، من أن فرعون كان يسال موسى عليه السلام عند كل نازلة الدعاء برفعها معتلاً بأن الرب ذو حلم وأناة ورحمة، وقدم الأولى إشارة إلى أنهم بلغوا الغاية في الجرأة، والتعبير فيها، ب ) كفروا ( يؤيد لذلك، اي أن مجرد الستر للآيات بالإعراض عنها كافٍ في إيجاب الانتقام ولو لم يصرح بتكذيب لعظم المقام، ومادة كفر - بأيّ ترتيبة كان - تدور على الخلطة المميلة المحلية، وبخصوص هذا الترتيب تدور على الستر، أي غطوا التصديق بآيات بآيات ربهم، ويجوز - وهوالأحسن - أن يكون دورانها - مطلقاً لا بقيد ترتيب - على الفكر، وهو إرسال عين البصيرة في طلب أمر ويلزمه الكشف والستر لأنه تارة يرفع اذيال الشبه عن ذلك الأمر فينجلي ويتحقق، وتارة يسلط قواطع الأدلة عليه فينعدم ويمتحق، وربما أرخى أذيال الشبه عليه فأخفى بعد أن كان جلياً كما كان شمرها عنه فألقى وقد كان خفياً.
ولما أخبر سبحانه بهلاكهم، أخبر بالوصف الجامع لهم بالهلاك فقال :( وكل ( اي من هؤلاء ومن تقدمهم من آل فرعون ومن قبلهم ) كانوا ) أي جبلة وطبعاً ) ظالمين ) أي لأنفسهم وغيرهم واضعين الآيات في غير مواضعها وهم يظنون بأنفسهم العدل ؛ ثم علل اتصافهم بالظلم أو استأنف بياناً له بقوله :( إن شر الدواب ) أي ظلموا لأنهم كفروا بآيات ربهم الذي تفرد بالإحسان إليهم وشر الدواب ) عند الله ) أي في حكم الحكم العدل الذي له الأمر كله وفي علمه ) الذين كفروا ) أي منهم ومن غيرهم، أي حكم عليهم بلزوم الكفر لما ركب فيهم من فساد الأمزجة لعدم الملاءمة للخير، فكانوا بذلك قد نزلوا عن رتبة الإنسان إلى رتبة مطلق الحيوان، ثم إلى دركه الحشرات والديدان بل العجلان، لأن شر الناس الكفار، وشر الكفار المصرون منهم، وشر المصرين الناكثون للعهود ) فهم ) أي بسبب ذلك ) لا يؤمنون ( اي لا يتجدد منهم إيمان يستمرون عليه لما سبق من علم الله فيهم، فلم ينتفعوا بما أتاهم من صفة الربوبية


الصفحة التالية
Icon