صفحة رقم ٢٣٧
ولما كان المخوف مطلق النقص، بنى للمفعول قوله :( تظلمون ) أي لا تنقصون شيئاً منه، وأما الزيادة فلا بد منها وهي على قدر النية.
ولما كان ضمان النصر والحلف في النفقة موجباً لدوام المصادمة والبعد من المسالمة، أتبعه قوله أمراً بالاقتصاد :( وإن جنحوا ( اي مالوا وأقبلوا في نشاط وطلب حازم ) للسلم ) أي المصالحة، والتعبير باللام دون ( إلى ) لا يخلو عن إيماء إلى التهالك على ذلك ليتحقق صدق الميل ) فاجنح ( ولما كان السلم مذكراً يجوز تأنيث غشارة إلى أنه يقتصر فيه على أقل ما يمكن من المدة بحسب الحاجة، هذا إذا كان الصلاح للمسلمين في ذلك بأن يكون بهم ضعف، وأقصى مدة الجواز عشر سنين اقتداء برسول الله ( ﷺ ) فلا تجوز الزيادة ولما كان ذلك مظنة أن يقال : إنه قد عهد منهم من الخداع ما أعلم انهم مطبوعون منه على ما لا يؤمنون معه فمسالمتهم خطر بغير نفع، لوح إلى ما ينافي ذلك بقوله :( وتوكل على الله ) أي الذي له مجامع العظمة فيما تعهده من خداعهم فإنه يكفيك أمره ويجعله سبباً لدمارهم كما وقع في صلح الحديبية فإن غدرهم فإنه يكفيك أمره وحرف الاستعلاء في هذا وأمثاله معلم بأنه يفعل مع المتوكل فعل الحامل لما وكل إليه المطيق لحمله ؛ ثم علل الأمر بالتوكل الذي معناه عدم الخوف من عاقبة أمرهم في ذلك بقوله :( إنه هو ( اي وحده ) السميع ) أي البالغ السمع، فهو يسمع كل ما أبرموه في ذلك وغيره سراً كما يسمعه علانية ) العليم ) أي البالغ العلم وحده فهو يعلم كل ما أخفوه كما أنه يعلم ما أعلنوه ؛ ثم صرح بالاستهانة بكيدهم فقال :( وإن يريدوا ( اي الكفار ) أن يخدعوك ( اي بما يوقعونمن الصلح أو بغيره ) فإن حسبك ) أي كافيك ) الله ) أي الذي له صفات العز كلها، ثم علل كفايته أو استأنف بيانها بقوله :( هو ( اي وحده ) الذي أيدك بنصره ) أي إذ كنت وحدك ) وبالمؤمنين ) أي بعد ذلك في هذه الغزوة التي كانت العادة قاضية فيها بأن من معك لا يقومون للكفار فواق ناقة، ولعل هذا تذكير بما كان من الحال في أول الإسلام، أي إن الذي أرسلك مع وحدتك في مكة بين جميع الكفار وغربتك فيهم - وإن كانوا بني عمك - بسبب دعوتك إلى هذا الدين وعلوك عن أحوالهم البهيمية إلى الأخلاق الملكية، هو الذي قواك وحده بالنصر عليهم حتى لم يقدروا على أذى يردك عن الدعاء إلى الله مع نصب جميعهم لك ولمتبعيك شباك الغدر ومدهم إليكم أيدي الكيد ثم سلّكم من بين أظهرهم كما تسل الشعرة من العجين مع اجتهادهم في منعكم من ذلك، وأيدكم بالأنصاروجمع بين كلمتهم بعد شديد