صفحة رقم ٢٣٨
العدواة ) وألف بين قلوبهم ( بعد غاية التباغض، فصار البعيد منهم قريباً والبغيض حبيباً والعدو صديقاً، وكانوا على قلب واحد ؛ ثم استأنف الإخبار بما دل على تعذر ألفتهم لولا هو فقال :( لو أنفقت ) أي وأنت أتقن الخلق لما تصنعه ) ما في الأرض جميعاً ) أي في إرادة ذلك ) ما ألفت بين قلوبهم ( ثم أكد ذلك بقوله :( ولكن الله ) أي وهو الذي له جميع صفات الكمال ) ألف بينهم ( ثم علل نفوذ فعله وأمره فيه بقوله :( إنه عزيز حكيم ( اي لأنه لولا عزته التي تغلب كل شيء ولا يغلبها شيء وحكمته التي يتقن بها ما أراد بحيث لا يمكن لأحد أن يغير شيئاً منه لما تألفوا بعد أن كان قبل كل أحد من فريقهم للآخر أشهى من لذيذ الحياة وصافي العيش لما بينهم من الإحن التي لا تزال تثور فتغلي لها الصدور حتى تفور بقتل الأحباب من الوالدين والأولاد والقهر بأنواع الأذى مع المجاورة المقتضية لدوام المنتشر مع ما لهم من الحمية والأنفة الحاملة على الانتقام.
والذي امدك بهذه الألطاف حي لا يموت باق على ما كان عليه من القدرة والقوة، فهو الكفيل بحراستك ممن يريد خداعك، فإذا امركم بأمركم بأمر فامثلوه غير مفكرين في عاقبته، فإنه قد بينه بعزته وأتقنه بحكمته وستعلمون.
الأنفال :( ٦٤ - ٦٧ ) يا أيها النبي.....
) يأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( ( )
ولما صرح بأن الله كافيه، وكانت كفاية الله للعبد اعظم المقاصد، والتفتت الأنفس إلى أنه هل يكفيه مطلقاً أو هو فعل مع المؤمنين أيضاً مثل ذلك، فأتبعها بقوله معبراً بوصف النبوة الذي معناه الرفعه والاطلاع من جهة الله على ما لا يعلمه العباد، لأنه في سياق الإخبار ببعض المغيبات والتصرف في الملكوت :( يأيها النبي ) أي العالي القدر الذي نعلمه بعواقب أموره ) حسبك ) أي كافيك ) الله ) أي الذي بيده كل شيء ) ومن ) أي مع من ) اتبعك من المؤمنين ( يجوز أن يكون الميعه من ضميره ( ﷺ ) فيكون المؤمنون مكفيفين، وأن يكون من الجلالة فيكونوا كافين، حتى يكون المعنى : فهو كافيهم أيضاً وهم كافوك لأنه معهم، وساق سبحانه هذا هكذا تطبيقاً لقوبهم وجبراً