صفحة رقم ٢٤١
خفف الله ) أي الملك الذي الذي له الغنى المطلق صفات الكمال ) عنكم ) أي رحمه لكم ورفقاً بكم ) وعلم ) أي قبل التخفيف وعده ) أن فيكم ضعفاً ) أي في العَدد والعُدد، ولكنه أوجب عليكم ذلك ابتلاء، فبعد التخفيف علم ضعفهم واقعاً وقبله علم أنه سيقع، وتصديره هذه الجملة ب ) الآن ( يشير إلى ان النسخ كان قبل أن تمضي مدة يمكن فيها غزو، وفائدة الأمر المعقب بالنسخ حيازة الأجر بقبوله والعزم على امتثاله، وقيل : ما كان النسخ إلا بعد مدة بعد أن سألوا في التخفيف ؛ وروى البخاري في التفسير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما نزلت ) إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ( شق ذلك على المسلمين حين فرض عليهم ألا يفر واحد من عشرة، فجاء التخفيف فقال :( الآن خفف الله عنكم ( - الآية ؛ فلما خفف الله عنهم من العدة نقص من الصبر بقدر ما خفف عنهم، والمعنى أنه كان كتب مقدراً من الصبر لكل مؤمن، فلما خفف أزال ذلك بالنسبة إلى المجموع، وهذا لا يمنع استمرار البعض على ما كان كما فعل سبحانه بالصحابة رضوان الله عليهم في غير موضع منها غزوة مؤته، فقد كانوا فيها ثلاثة آلاف، وكان من لقوا من جموع هرقل مائتي الف : مائة من الروم ومائة من العرب المستنصرة، فصبروا لهم ونصروا عليهم كما في الصحيح أن النبي ( ﷺ ) قال مخبراً عنهم في هذه الغزوة ( ثم أخذ الراية عن غير إمرة سيف من سيوف الله خالد بن الوليد ففتح الله عليه ) ولما توفي النبي ( ﷺ ) ارتد عامة الناس حتى لم يثبت على الإسلام عشر العشر فصبر الصحابة رضوان الله لهم ونصروا عليهم، بلالذي صبر في الحقيقية أبو بكر رضي الله عنه وحده، ثم أفاض الله من صبره ونوره على جميع الصحابة رضي الله عنهم فصبروا، ثم جهز الجيش وأميرهم الذي سماه النبي ( ﷺ ) سيف الله، فأخمد الله به نار الشرك وقطع بصبره وحسن نيته جاذرة الكفر فلم تمض سنة وفي بلاد العرب مشرك.
فلما جمع الله العرب بهذا الدين على قلب رجل واحد قصدوا الأعاجم من الفرس والروم والقبط، فقاتلوا اهل فارس في عدة وقائع منها القادسية، وكان الصحابة رضي الله عنهم فيها دون أربعين ألفاً، وكان المجوس أكثر من أربعمائة ألف - إلى غير ذلك من الوقائع وقد صروا في أكثرها ونصروا، ثم كانت لهم العاقبة فطردوا الشرك وأهله، وأظهر الله لهم دينه كما وعد به سبحانه، وما اجتمع أهل الإسلام وأهل الضلال قط في معرك إلا كانت قتلى المسلكين غير أن الله تعالى جده وتبارك اسمه وتمت كلمته ألطف بالعرب علماً منه بأنهم خلاصة الناس بما طبعهم