صفحة رقم ٢٤٥
الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) ٧٣
( ) ٧١
ولما علم من الآية ما أشرت إليه، فكان كأنهم قالوا رضي الله عنهم : تقتضي عزته وحكمته سبحانه من تطهيرنا عما تدنسنا به ؟ استأنف تعالى الجواب عن ذلك ممتناً غاية لا متنان ومحذراً من التعرض لمواقع الخسران فقال :( لولا كتاب ( اي قضاء حتم ثابت مبرم ) من الله ) أي الذي له الإحاطة الكاملة بكل شيء قدرة وعلماً ) سبق ) أي في أم الكتاب من الحكم بإسعادكم، ومن أنه لا يعذب التقدم إليه بالنهي، ومن أنه سيحل لكم الفداء والغنائم التي كانت حراماً على من قبلكم تشريفاً لكم - كما قاله ابن عباس رضي الله عنهما ) لمسكم فيما أخذتم ( اي من الأسرى المراد بهم الفداء ) عذاب عظيم ( ولكن سبق حكمي بأن المغنم - ولو بالفداء - لكم حل وإن تعجلتم فيه أمري.
ولما سبق سبحانه هذه البشارة في النذارة، سبب عنها قوله :( فكلوا مما غنمتم ) أي من الفدية وغيرها حال كونه ) حلالاً ) أي لا درك ولا تبعة فيه من جهتي ) طيباً ) أي شهياً لكم ملائماً لطباعكم، وهذا إذا كان مع الشرط التي اقمتها لكم من عدم الغلول والخيانة بوجه من الوجوه والاستثار وشديد الرغبة السائقة إلى ما لا يليق من التنازع وغيره، ذلك فيما تقدمت فيه إليكم ) واتقوا الله ) أي الذي له جميع صفات الكمال في جميع ذلك فلا تغلوا ولا تنازعوا ولا تقدموا إلا على ما يبيحه لكم رسول الله ( ﷺ ) ) إن الله ) أي المتصف بالجلال والإكرام ) غفور ) أي لمن يعلم من قبله أنه من أهل التقوى ) رحيم ) أي له، فلأجل ما علم في قلوبكم من الخير غفر لكم فلم يعذبكم بتسرعكم إلى غسار من لم يامركم به الرسول ( ﷺ ) للمفاداة دون توقف على غذانه، ورحمكم فأحسن إليكم فأحل لكم الغنائم، انظر إلى قوله تعالى ) ان تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سياتكم ويغفر لكم ( تعرف حسن تعليل الأمر بالتقوى بالمغفرة وارحمة، ويجوز ان يكون علة اللأكل، اي كلوا فإن الله قد غفر لكم ما عاتبكم عليه، وفائدة الأمر بالتقوى التحذير من العود اعتماداً على سعة الحلم، وايضاً فقد تقدم تهديد ومغفرة فناسب ان يدلهم على أن علة المغفرة التقوى، فكان ترجمة ذلك انه لما رهبهم بمس العذاب عند اخذ الفداء لولا سبق الكتاب، رغبهم بأنه كلما صدهم عن جنابه صارف ذنب فردهم إليه عاطف تقوى، أسبل عليهم ذيل المغفرة والرحمة، ولما علم من هذا إباحة ما يؤخذ من السر من الفداء، وكان ما يؤخذ منهم تعظم مشقته عليهم،