صفحة رقم ٢٥٣
وضعف أهل الدين، فالأمر بالمعروف فيهم في غاية الذل والغربة، يرد عليه أدنى الناس فلا يجد له ناصراً، ويجد ذلك الآخر له على الرد أعواناً كثيرة، وصار أحسن الناس حالاً مع الأمراء وأعظمهم له محبة من يقنع بلومه على فعله ظناً منه أن ذلك شفقة عليه - واللع المستعان.
الأنفال :( ٧٤ - ٧٥ ) والذين آمنوا وهاجروا.....
) وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنكُمْ وَأْوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( ( )
ولما تقدمت انواع المؤمنين : المهاجر والنصر والقاعد، وذكر أحكام موالاتهم، اخذ يبين تفاوتهم في الفضل فقال :( والذين آمنوا ) أي بالله وما أتى منه ) وهاجروا ) أي فيه من يعاديه سابقين مع نبيه ( ﷺ ) ) وجاهدوا ) أي بما تقدم من المال والنفس أو بأحدهما ) في سبيل الله ) أي الذي له صفات الكمال فبذلوا الجهد في إذلالهم كما بذل الأعداء الجهد في إذلالهم، ولم يذكر آلة الجهاد لأنها - مع تقدم ذكرها لازمة ) والذين آووا ) أي من هاجر إليهم ) ونصروا ) أي حزب الله، وأعلم بقوله :( أولئك ) أي الصنفين الأولين خاصة ) هم المؤمنين حقاً ) أي حق الإيمان، لأنهم حققوا إيمانهم : المهاجر بالانسلاخ من كل ما يحبه من الأمور الدنيوية، والناصر من جميع أهل الكفر بإيواء أهل الله ونصرتهم.
ولما بين وصفهم، بين ما حباهم به بقوله دالاً على أن الإنسان محل النقصان، فهو - وإن اجنهد حتى كان من القسم الأعلى - لا ينفك عن مواقعه ما يحتاج فيه إلى الغفران :( لهم مغفرة ) أي لزلاتهم وهفواتهم، لأن مبنى الآدمي على العجز اللازم عنه التقصير وإن اجتهد، والدين متين فلن يشاده أحد إلا غلبه ؛ _ ولما ذكر تطهيرهم بالمغفرة، ذكر تزكيتهم بالرحمة فقال :( ورزق ) أي من الغنائم وغيرها في الدنيا والآخرة ) كريم ) أي لا كدر فيه بوجه، لا في قطعه ولا في نقصانه ولا في شيء من شأنه.
ولما حصر المؤمنين حقاً في الموصفين، بين أن من ترك ماهو عليه من لزوم دار الكفر والقعود عن الجهاد، لحق بمطلق درجنهم وإن كانوا فيها أعلى منه فقال ذاكراً القسم الرابع :( والذين آمنوا ( ولما كانوا قد تأخروا عن دعوة النبي ( ﷺ ) مدة، ادخل للسابقين، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنهم من هاجر بعد الحديبة، قال : وهي الهجرة الثانية ) وجاهدوا معكم ) أي من تجاهدوا من حزب الشيطان ) فأولئك منكم (


الصفحة التالية
Icon