صفحة رقم ٢٧٦
ولما أخبر تعالى بعراقتهم في الفسق، دل عليه بأن خيانتهم ليست خاصة بالمخاطبين، بل عامة لكل من اتصف بصفتهم من الإيمان، فمدار خيانتهم على الوصف، فقال :( لايرقبون في مؤمن إلاّ ) أي قرابة وأصلاً خيداً ثابتاً ) ولاذمة ) أي عهداً أكيداً ) وأولئك ) أي البعداء من كل خير ) هم ) أي خاصة لتناهي عدوانهم ) المعتدون ) أي عادتهم المبالغة في حمل أنفسهم على ان يعدوا الحدود لعدم ما يردهم عن ذلك من وازع إلهي ورادع شرعي كما فعل عامر بن الطفيل بأهل بئر معونة مع أنهم في جوار عمه وكان من خبرهم أن عمه أبا براء عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنة قدم على رسول الله ( ﷺ ) فقال له : لو بعثت رجالاً من أصحابك إلى أهل نجد رجوت أن يستجيبوا لك، فقال رسول الله ( ﷺ ) : إني أخشى عليهم أهل نجد، قال أبوبراء : أنا لهم جار.
فبعث رسول اله ( ﷺ ) : المنذر بن عمرو أخا بني ساعدة المعنق ليموت في سبعين رجلاً من اصحاب من خيار المسلمين، فما نزلوا بئر معونه بعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله ( ﷺ ) إلى عامر بن الطفيل فلم ينظر في كتابه وعدا عليه فقتله، ثم استصرخ عليهم بني عامر فابوا وقالوا : لن نخفر أب براء، فاستصرخ عليهم قبائل من بني سليم : عصية ورعلاً وذكوان فقتلوهم فلم يفلتمنهم إلا ثلاثة نفر عمرو بن أمية الضمري أحدهم، فعظم ذلك النبي ( ﷺ ) ودعا على قتلتهم شهراً ؛ قال البغوي : وقال ابن عباس رضي الله عنهما : إن أهل الطائف أمدوهم - يعني قريشاً - بالأموال ليقووهم على حرب رسول الله ( ﷺ )، فهذا الذي أحكمه تعالى من نبذ العهد نظر للدين، لأنه نظر لجميع أهله الذين لا يوجد إلا بهم.
ولما بين ما أوجب بعدهم منهم ومعادتهم لهم، بين ما يصيرون به أهلاً فقال ) فإن تابوا ) أي بالإيمان بسبب ما أبديتم لهم من الغلطة ) وأقاموا ) أي أيدوا ذلك بأن أقاموا ) الصلاة ) أي بجميع حدودها ) وآتواالزكاة ) أي كما حدة رسول الله ( ﷺ ) ) فإخوانكم ( أيهم، وبين أنها ليست أخوة النسب فقال :( في الدين ( لهم ما لكم وعليهم ما عليكم، فلا تعرضوا لهم بما يكرهونه.
ولما كان كأنه قيل بعثاً وتحريضاً على تأمل ما فصل : قد فصلنا لكم أمرهم في هذه الآيات تفصيلاً، عطف عليه قوله :( ونفصل ) أي في كلأمر يحتاجون جميع ) الآيات ( وعظم هذه الآيات وحثم على تدبرها بقوله :( لقوم يعلمون ) أي صار العلم لهم صفة فلهم ملكة يتصرفون بها في أصوله وفروعه، لا يغترون بمجرد كلام من شأنه الرداءة والمخالفة بين القول والعمل، والاعتراض بهذا بين هذه الجمل المتلاحمة


الصفحة التالية
Icon