صفحة رقم ٢٧٧
إشارة إلى عظم الأمر الذي نبه عليه وتحريض على إنعام النظر فيه ليعلم أن مدخوله جليل الأمر عظيم القدر لئلا يظن أنه تكرار ولما بين السبب الموجب لمجازاتهم بجنس عملهم، وهو البراءة منهم وما يتبع ذلك إلى أن ختم بتقدير توبتهم، رجع إلى قسم قوله ) فما استقاموا لكم ( فقال :( وإن نكثوا أيمانهم ) أي التي حلفوها لكم ؛ ولما كان النقض ضاراً وغن قصر زمنه، اتى بالجار فقال :( من بعد عهدهم ) أي الذي عقدوه ) وطعنوا ) أي اوقعوا الطعن ) في دينكم ) أي بقول أو فعل ولما كان هذا الفعل لا يستقل به في الأغلب إلا الرؤساء، اشار إلى ذلك بقوله :( فقاتلوا ( ووضع موضع ضميرهم تحريضاً على قتالهم وإشارة إلى أنهم ما نكثوا واقدموا على هجنة الكذب ولم يستهجنوا الخروج عن عادات الكرام إلا وقد رسخوا في الكفر فقال :( أئمة الكفر ( ثم أشار - بقوله معللاً لجواز المقاتله :( إنهم لا أيمان لهم ( إلى أن ذلك ولو فعله الأتباع ولم يكفهم الرؤساء فهو عن تمال منهم فابدؤوا بالرؤوس فاقطعوها تنقطع الأذناب، وقراءة ابن عامر بالكسر معناها : لا امان لهم لأنهم قد نقضوا العهد الموجب له بما وقع منهم، ومن طعن من أهل الذمة في الإسلام طعناً ظاهراً جاز قتله، فإن العهد مأخوذ عليه أن لا يطعن، ثم علل المقاتله بقوله :( لعلهم ينتهون ) أي اجعلوا قصدكم لقتالهم أن يكون حالهم حال من ينتهي عن غيه بما يرى منكم من صادق الجد بماضي الحد، روى البخاري في التفسير عن حذيفة رضي الله عنه قال : ما بقي من اصحاب هذه الآية إلا ثلاثة ولا من المنافقين إلا أربعة احدهم شيخ كبير لو شرب الماء البارد لما وجد برده.
ولما نفى ايمانهم بنفي إيمانهم، شرع يقيم الدليل على ذلك بأمور ارتكبوها، كل منها بسبب باعث على الإقدام عليهم، ويحث على قتالهم في صورة تعجيب ممن يتواني فيه فقال :( الا ( وهو حرف عرض، ومعناه هنا الحض لدخول همزة الإنكار على النافي فنفته فصار مدخولها مثبتاً على سبيل الحث عليه فهو ابلغ مما لو اثبت بغير هذا الأسلوب ) تقاتلون قوماً ) أي وإن كانوا ذوي منعة عظيمة ) نكثوا ايمانهم ) أي في قصة عاصم واصحاب والمنذر واصحاب والإعانة على خزاعة وغير ذلك، فكان النكث لهم عادة وخلقاً، وهذا يدل على أن قتال الناكثين أولى من قتال غيرهم ليكون ذلك زاجراً عن النقض، وكانت قصة خزاعة أنه كان كان بينهم وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة قتل