صفحة رقم ٢٧٨
في الجاهلية، وكانت خزاعة قد دخلت في عهد النبي ( ﷺ ) بالحديبة لما كان لهم فيه من المجبة من مسلمهم وكافرهم لما بينهم من الحلف - كما تقدم آخر الأنفال، ودخلت بنو بكر في عهد قريش فمرت على ذلك مدة، ثم إن أنس بن زنيم الديلي هجا رسول الله ( ﷺ ) فسمعه غلام من خزاعة فوقع به فشجه فخرج إلى قومه فاراهم شجته فثار الشر مع ما كان بينهم، وما تطلب بنو بكر من خزاعة من دمائها، فكلمت بنو نفاثة من بني بكر أشراف قريش فوجدوا القوم إلى ذلك سراعاً فاعانوهم بالسلاح والكراع والرجال، فخرج نوفل بن معاوية الديلي وهو يومئذ قائدهم ؛ قال ابن إسحاق : وليس كل بني بكر بايعة - وقال الوافدي : اعتزلت بنو مدلج فلم ينقضوا العهد - حتى بيت خزاعة وهم على الوتير ماء لهمن فأصبوا منهم رجلاً وتجاوزوا واقتتلوا وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفاً متنكرين منتقبين : صفوان بن أمية ومكرز بن حفص بن الأحنف وحويطب بن عبد العزى وعكرمة بن أبي جهل وأجلبوا معهم أرقابهم، وكانت خزاعة آمنة لمكان العهد والموادعة ولما ذكرهم بمطلق نكثهم في حقهم عامة، وذكرهم بما خصوا به سيدهم بل سيد الخلق كلهم فقال :( وهموا بإخراج الرسول ) أي من مكة في عمرة القضاء، بل أمروه بالخروج عند انقضاء الثلاثة الأيام وألحو في ذلك وهو وإن كان قاضاهم على ذلك، لكن قد نقل ابن اسحاق وغيره في قصة النداء بسورة براءة أنه كان في القضية والعهد الذي كان بينه وبينهم أن لا يمنع من البيت أحد جاءه زائراً، ولعلهم هموا بإخراجه قبل الثلاثة الأيام لما داخلهم من الحسد عند ما عاينوا من نشاط أصحابه وكثرتهم وحسن حالهم، وذلك غير بعيد من أفعالهم، وإظهارهم التبرؤ به ( ﷺ ) حتى اجترؤوا - وهو أعلى الخلق مقداراً، وأظهرهم هيئة وأنواراً وأطهرهم رسوماً وآثاراً - على الإلحاح عليه في الخروج من بلد آبائه وأجداده الذين هم أحقهم بها ومسقط رأسه وموضع مرباه، ولكن لم أراه مصرحاً به، وهوعنمدي على ما فيه أولى مما ذكروه من الهم بإخراجه عند الهجرة على ما لا يخفي، أو يكون المراد ما همّ به ابن أبي المنافق ومن تابعه من اصحابه من إخراج النبي ( ﷺ ) من المدينة حيث قال في غزوة المريسيع : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الذل بعد إعطائهم العهود على الإيواء والنصرة والإسلام، وذلك لتذكير المؤمنين بمسارعتهم إلى النقض بعد أن أثبت أنهم في الالتحام في كيد الإسلام كالجسد الواحد، فكأنه يقول : إذا ترك هؤلاء إيمانهم فاولئك أحرى أن ينقضوا أيمانهم، وهو بعث للمؤمنين على التبرؤ من الكافرين منافقين كانوا أو مجاهرين مقاربين أو مباعدين