صفحة رقم ٢٧٩
ولما ذكرهم بالخيانة عامة وخاصة، أتبعها ما حققها بالقتال فقال :( وهم بدؤوكم ( اي بتطابق من ضمائرهم وظواهرهم ) أول مرة ( اي بالقتال والصد في الحديبية بعد إخباركم إياهم بأنكم لم تجيئوا للقتال وأنكم ما جئتم إلا زواراً للبيت الحرام الذي الناس فيه سواء وأنتماحق به منهم، وذلك أول بالنسبة إلى هذا الثاني مثل قوله ) أنكم رضيتم بالعقود أول مرة ( وقال بعض المفسرين : المراد بأول مرة قتالهم خزاعة، وهو واضح لأنه بعد عقد الصلح، وقيل : في بدر بعد ما سلمت عيرهم وقالوا : لا نرجع حتى نستأصل محمداً واصحابه، وقيل : المراد به مطلق القتال لأن النبي ( ﷺ ) جاءهم بالكتاب المنير ودعاهم بغاية اللين، وتحداهم به عند التكذيب، فعدلوا عن ذلك إلى القتال فهم البادئ أظلم.
ولما أمرهم بالقتال وكان مكرهاً إلى النفوس على كل حال.
شرع يبين الأسباب الحاملة على التواني عن قتالهم، وحصرها في في الخشية والعاطفة، وقسم العاطفة إلى ما سببه القرب في محاسن الأفعال وإلى ما سببه القرب في النسب والصهر، ونقض الكل وبين أنه لا شيء منها يصلح للسببية، فقال بادئاً بالخشية لأنها السبب الأعظم في ترك المصادمة منكراً عليهم موبخاً لهم ليكون أبلغ في الحث على قتالهم منبهاً على أن التواني عنهم مصحح للوصف بالجبن ورقة الدين :( أتخشونهم ) أي أتخافون أن يظفرون بكم في القتال بان يكونوا على باطلهم أشد منكم على حقكم ) فالله ) أي الذي له مجامع العظمة ) أحق ) أي منهم ) ان تخشوة ) أي بأن يكون مخشياً لكم لما تعلمون من قدرته في أخذه لمن خالفه ولو بعد طول الأناة ) إن كنتم مؤمنين ) أي فإن من صدق بانه الواحد الذي تفرد بصفات العظمة لم ينظر إلى غير هيبته ولما بكت في التواني عنهم، وعدهم بما يزيل خشيتهم منهم، بل يوجب إقدامهم عليهم ورغبتهم فيهم، فقال مصرحاً فيهم، فقال مصرحاً بما تضمنه الاستفهام الإنكاري في ) ألاتقاتلون ( من الأمر :( قاتلوهم ) أي الله لا لغرض غيره ) يعذبهم الله ) أي الذي أنتم مؤمنون بانه المتفرد بصفات الجلال والجمال ) بأيديكم ) أي بأن تقتلوهم وتأسروهم وتهزموهم ) ويخزهم ( اي بالذل في الدنيا والفضيحة والعذاب في الأخرى.
ولما كان ذلك قولاً لا يقتضي النصر الذي هو علو العاقبة قال :( وينصركم عليهم ( اي فترضوا ربكم بذلك لإذلالة من يعاديه بكم ؛ ولما كان نكالهم بما بعد ثباته على لبعض المؤمنين سروراً لهم فيه حظ، بين تعالى أنه لا يؤثر في العمل بعد ثباته على أساس افخلاص فقال :( ويشف ) أي بذلك ) صدور قوم مؤمنين ( اي راسخين في


الصفحة التالية
Icon