صفحة رقم ٢٨٢
بطريق الكناية - قال الفراء : وربما ذهب العرب بالواحد إلى الجمع وبالجمع إلى الواحد، ألا ترى أن الرجل يركب البرذون فيقول، أخذت في ركوب البراذين، ويقال : فلان كثير الدرهم والدينار - انتهى.
فتحرر أن المعنى : منعهم من إقامة شعائره بطواف أو زيارة أو عبر ذلك لأنهم نجس - كما ياتي ) شاهدين على أنفسهم ) أي التي هي معدن الأرجاس والأهوية ) بالكفر ) أي بإقرارهم، لأنه بيت الله وهم يعبدون غير الله وقد نصبوا فيه الأصنام بغير إذنه وادعوا أنها شركاؤه، فإذن عمارتهم تخريب لتنافي عقدهم وفعلهم، قال البغوي : قال ابن عباس رضي الله عنهما، شهادتهم سجودهم للأصنام، وذلك أنهم كانوا نصبوا أصنامهم خارج البيت الحرام عند القواعد وكانوا يطوفون بالبيت عراة، كلما طافوال شوطا سجدوا لأصنامهم.
ولما نفي قبيح ما يفعلون حسن ما يعتقدون، أشار إلى بعدهم عن الخير بقوله :( أولئك حبطت أعمالهم ) أي من العمارة والحجابة والسقاية غي ذلك، فسدت ببطلان معانيها لبنائها على غير أساس ) وفي النار هم ) أي خاصة ومن فعل كطفعلهم فهو منهم ) خالدون ) أي يجعلهم الكفر مكان الإيمان.
ولما نفي عنهم أهلية العمارة، بين من يصلح فقال :( إنما يعمر مساجد الله ) أي إنما يؤهل لذلك القرب ممن له الأسماء الحسنى والصفات العلى حسا بإصلاح الذات ومعنى بالتعظيم بالقربات من قمها وتنظيفها ورم ما تهدم منها وتنويرها بالمصابيح الحسية وبالمعنوية من الذكر والقراءة - ودرس العلم أجل ذلك - وصيانتها مما لم تبن له من أحاديث الدنيا ) من آمن بالله ) أي الملك الأعلى الذي له الأمر كله ) واليوم الآخر ) أي فكان من أهل المعرفة الذين تصح عبادتهم وتفيدهم، فإنها إنما تفيد في ذلك اليوم، ولم يذكر الإيمان بالرسول لأنه هذه البراءة عن لسانه أخذت، فالإيمان بها إيمان به لا محالة، فعدم أقعد في إيجاب الإيمان به ) وأقام الصلاة وآتى الزكاة ) أي وايد دعغواه الإيمان بهذين الشاهدين، وذلك أن عمارة المساجد ليست مقصودة لذاتها، بل الدلالة على رسوخ الإيمان، والصلاة أعظم عمارتها، والزكاة هي المعين لعمدتها على عمارتها.
ولما كان ربما فهم من قوله :( آمن ( أنه يكفي في الإيمان مجرد الإقرار باللسان، أعلم أنه لا بد في ذلك من إيجاد التصديق حقيقة المثمر لخشية الله فلذلك قال :( ولم يخش ) أي الأعمال الدينية ) إلا الله ) أي ولم يعمل بمقتضى خشية غير الملك الأعظم من كف عما يرضي الله بما فيه سخطه، بل تقدم على ما انحصر رضي الله فيه