صفحة رقم ٢٨٣
ولو أن فيه تلفه، وحاصله أنه يقدم خشيته من الله على خشيته من غيره، فهو يرجع إلى قوله ) فالله أحق أن تخشوه ( ولكن هذا أبلغ لكونه نفي نفس الخشية وإن كان المراد نفي لازمها عادة، وفيه تعريض لهم بأنهم لا يصلحون لخدمته لأنهم يخافون الأصنام ويفعلون معها بعبادتها فعل من يخافها، ولما سبب عما مضى نفيا وإثباتا أن المتصف بهذه الأوصاف يكون جديرا بالهداية وحقيقا بها، قال تعالى :( فعسة أولئك ) أي العالو الهمم ) أن يكونوا ) أي جبلة ورسوخا ) من المهتدين ( فأقامهم - مع ما قدم لهم من الكمال بالمعارف والأفعال - بين الرجاء والخوف مع الإشارة بإفراد الخشية إلى ترجيح الخوف على الرجاء إيذانا بعلو أمره وعظيم كبره إشارة إلى أنه لا حق لأحد عليه وأنه إن شاء أثاب، وإن أراد حكم - وهو الحكم العدل - بالعقاب، لا يسأل عما يفعل، وكرر الاسم الأعظم لمزيد الترغيب لخطر المقام وعزة المرام، ومادة عسى بجميع تصاريفها تدور على الحركة، وهذه بخصوصها للأطماع، والحاصل أن من اتصف بالأوصاف الأربعة كان صالحا وخليقا وجديرا وحقيقا بأن يتحرك طعمه ويمتد أمله إلى أن يكون من جملة أهل الهدى، فكيف توجبون أنتم لمن لم يتصف بواحد منها ما يختص به المهتدون من الموالاة، هكذا كان ظهر لي أولا في مدار المادة، ثم ظهر لي أن ذلك في أكثر تقاليبها، مع إمكان أن يكون غيره للإزالة، وأن الشامل لها - يائية وواوية بتقاليبها العشر : عسى، عيس، سعى يسع، عسو، عوس، سعو، سوع، وسع، وعس - أنها لما يمكن أن يكون، وهوجدير وخليق بأن يكون، من قولهم : أعس به - أي أخلق. وبالعسى أن يفعل - أي بالحري، وأنه لمعساة بكذا - أي مخلقة، وبهذا فسرها سيبويه : قال ابن هشام الخضراوي في شرح الإيضاح لأبي علي : وقال سشيبويه : إن عسى بمنزلة اخلولق، والمعساء كمكسال : الجارية المراهقة لأنها جديرة بقبول النكاح، ومن ثم أتت للطمع والإشفاق، وقد يزيد الرجاء فيطلق على القرب فيكون مثل كاد، وقد يشتد فيصل إى اليقين فنستعمله حينئذ في معنى كان، ومنه : عسى الغوير ابؤسا لكن قال الرضى : وأنا لا أعرف عسى في غير كلامه تعالى لليقين. وقد يضعف الرجاء فيصير شكا، ومنه المعسية كمحسنتة للناقة، قد شك أبها لبن أن لا، وعسى النبات - كفرح ودعا : غلظ ويبس، أي صار خليقا لأن يرعى وأن يقطع، واليد
من العمل مثله، أي قصارت جديرة بالصبر على المشاق، والعاسي، النخل : لأنه جدير بكمال ما يطلب منه من المنافع، وعسى السيخ كرضي عساء وعسا كدعا يعسو : كبر، أي صار خليقا بالموت وبأن لا يتعلم ما لم يكن في غريزته، وكذا عسى وعسا عن الأدب، أي كبر عنه، والعود يبس وصلب واشتد أي فصار خليقا لما يراد منه، والليل : اشتدت ظلمته، فصار


الصفحة التالية
Icon