صفحة رقم ٢٩٠
باشروا جميع افعال المهتدين ما عدا الإيمان، ومن فعل ذلك منكم كان ظالماً وخيف عليه سلب موجب الهداية.
ولما نفى عنهم المساواة من غير تصريح بأهل الترجيخ ليشتد التشوف إلى التصريح فيكون اثبت في النفس وأوقر في القلب، كان كأنه قيل : فمن الراجح ؟ فقال :( الذين آمنوا ) أي وقعوا هذا الفعل، وهو إيمان المخاطب من ان يكذبوه بشيء مما يخبر به عن الله، وقصر الفعل وهوفي الأصل متعد ليفيد أنه لا إيمان غير هذا، وإن وجد غيره فهو عدم بالنسبةإليه، وكذا كل فعل قصر فهو على هذا المنوال ليشار به إلى أنه لعظيم نفعه لا فعل من جنسه غيره ) وهاجروا واجاهدوا ( ولما كان المحدث عنه فيما قبل المجاهد في سبيل الله، اقتضى المقام تقديمه على الآلة بخلاف ما في آخر الأنفال فغن المقام اقتضى هناك تقديم المال والنفس لما تقدم من موجبه في غيرآية - كما سلفت بيانه، وأيضاً ففي هذا الوقت كان المال قد كثر، ومواضع الجهاد قد بت، فناسب الاهتمام بالسبيل فلذا قدم ) في سبيل الله ) أي مخلصين له لأنه الملك الذي لا كفؤ له، ثم أتبعه قوله :( باموالهم وأنفسهم ( فصرح بالنفس ترغيباً في المباشرة بها ) أعظم درجة ) أي من جهة ارتفاع الدرجة، وهي الفضيلة المقربة غلى الله.
ولما لم يكن العبرة إلا بما عنده سبحانه، لا بما عند الناس، قال تعالى :( عند الله ( اي الملك الأعظم من أهل السقاية وما معها من غير إيمان مدلول عليه بشواهده، حملة المدلول عليه، وكرر الاسم الأعظم لمزيد الترغيب لخطر المقام وصعوبة المرام ؛ وأفهم هذا أت تلك الأفعال شريفة في نفسها، فمن باشرها كان على درجة عظيمة بالنسبة إلى من لم يباشرها، ومن بناها على الأساس كان أعظم ؛ ثم بين ما يخص أهل حزبه فقال :( وأولئك ) أي العالو التربة ) هم ) أي خاصة لا أنتم أيها المفاخرون مع الشرك ) الفائزون ) أي بالخير الباقي في الدارين دون من عداهم وإن فعل من الخيرات ما فعل، لأنهم ترقوا من العبدية إلى العندية.
ولما بين أن جزاء أولئك الخلود في النار، بين ما لهؤلاء، فقال مفسراً لفوزهم :( يبشرهم ربهم ) أي المحسن إليم بهدايتهم واجتبائهم. وناهيك بهذه البشارة الدالة على علو مقامهم لأنها بلا واسطة، وكون البشارة على قدر المبشر دال أنه هذه البشارة بشارة عظيمة لا نهاية لها ولا يحاط بمعرفة مقدارها ) برحمة ( اي عظيمة، وزادها عظماً بقوله :( منه ( وذلك إشارة إلى أنه لا نجاة بدون العفو ؛ ثم أخبر بان الرحمة كما اثمرت


الصفحة التالية
Icon