صفحة رقم ٣٠١
له العلو المطلق فليس كمثله شيء، وعزير هذا هو المسمى عندهم في سفر الأنبياء ملاخيا، ويسمى أيضاً العازر وهو الأصل والعزير تعريبه، وأما الذي جمع لهم هذه التوراة التي بين ايديهم فقال السمؤال بن يحيى المغربي الذي كان يهودياً فأسلم : إنه شخص آخر اسمه عزرا، وإنه ليس بنبي. ذكر ذلك في كتابه غاية المقصود في الرد على النصارى واليهود - وهو كتاب حسن جداً، وكان السموأل هذا مع تمكنه من المعرفة بشريعة اليهود واخبارهم متمكناً من علوم الهندسة وغيرها، وكان فصيحاً بليغاً وكان حسن الإسلام يضرب المثل بعقله، ورأيت اليهود في غاية النكاية منه، وأراني بعضهم رسالته إليه لبعض أحبارهم يسفه فيها رايه في إسلامه ويشبه عليه بأشياء خطابيه وشعرية، فأجابه بجواب بديع افتتحه بقوله تعالى :
٧٧ ( ) سيقول السفهاء من الناس ما ولاّهم عن قبلتهم التي كانوا عليه ( ) ٧
[ البقرة : ١٤٢ ] ثم رد كلامه احسن رد ثم قال له ما حاصله : دع عنك مثل هذه الخرفات، وأجب عن الأمور التي ألزمتكم بها في كتاب غاية المقصود، فما أحار جواباً، ثم القائل لهذا القول منهم روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنهم أربعة، وقيل : قائله واحد وأسند إلى الكل كما يقال : فلان يركب الخيول وقد لا يكون له إلا فرس واحد، وهو كقوله تعالى
٧٧ ( ) الذين قال لهم الناس ( ) ٧
[ آل عمران : ١٧٣ ] وقيل : كان فاشياً فيهم فلما عابهم الله به تركوه وهم الآن ينكرونه، والله تعالى أصدق حديثاً ) وقالت النصارى ( اي منهم إفكاً وعدواناً ) المسيح ( وأخبروا عنه بقولهم :( ابن الله ) أي مع أن له الغنى المطلق والكمال الأعظم، والمسيح هذا هو ابن الله مريم بنت عمران ؛ ثم استأنف قوله مترجماً قولي فريقيهم :( ذلك ) أي القول البعيد من وهو مع ذلك قول لا تجاوز حقيقته الأفواه إلى العقول لأنه لا يتصوره عاقل، بل هو قول مهمل كأصوات الحيوانات العجم لا يتحقق له المعنى ؛ قال : وعناه الحال ان قائله لا عقل له، ليس له معنى وراء ذلك، ولبعده عن أن يكون مقصوداً لعاقل عبر فيه بالأفواه التي هي ابعد من الألسنة إلى القلوب ولما كان كأنه قيل : فما لهم إذا كان هذا حالهم قالوه ؟ قال ما حاصلة : إنهم قوم مطبوعات على التشبه بمن يفعل المفاسد كما أنهم تشبهوا بعبدهة الأوثان، فعبدوها غير مرة والأنبياء بين أظهرهم يدعونهم إلى الله وكتابهم ينادي بمثل ذلك وينذرهم اشد الإنذار ) يضاهئون ) أي حال كونهم يشابهون بقولهم هذا ) قول الذين كفروا ) أي بمثله وهو العرب حيث قالوا : الملائكة بنات الله، كما أنهم لما رأوا الذين يعكفون على أصنام لهم قالوا :( يا موسى اجعل لنا غلهاً كما لهم آلهة (